أثارت صفقة اندماج جولة «بي دي إيه» -الجهة المنظمة لرحلات الغولف الاحترافية في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية- وجولة الغولف «إل أي في» التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة السعودي في يونيو حزيران الجاري ضجة واسعة على الصعيد الرياضي العالمي، وسط مخاوف من تأثير تلك الصفقة على الخريطة الرياضية الدولية، خاصةً أنها ليست الصفقة الوحيدة التي تتضمن استحواذ مستثمرين خليجيين على أصول رياضية أجنبية؛ فلا تكاد تمر بضعة أشهر حتى تطالعنا الأخبار حول استثمارات خليجية جديدة في الأندية العالمية، ما أثار التساؤل عن الأجندة الرياضية القادمة لدول الخليج، خاصةً السعودية؟

البداية.. استثمار في الأندية الأوروبية

يعود اهتمام الدول العربية -خاصةً الخليج- بالاستثمار في القطاع الرياضي العالمي لأكثر من 15 عاماً، وبدأ الأمر بالاستحواذ على أندية كرة القدم الأوروبية، ففي عام 2008، اشترى الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، لتتبعه كل من مصر والسعودية وقطر.

واستحوذت الدول العربية على ثمانية أندية عالمية؛ من بينها ثلاثة للسعودية، وناديان لمصر، وآخران لقطر، ونادٍ للإمارات.

وفي دليل جديد على تنامي النفوذ الرياضي الخليجي، أشارت مؤسسة «ديلويت» البريطانية في تقريرها الرياضي السنوي إلى أن سبعة من أفضل وأغنى 20 نادياً لكرة القدم تربطها صلات استثمارية قوية بالشرق الأوسط، وسط توقعات المحللين بتنامي هذه الصلات خلال السنوات القليلة المقبلة.

على سبيل المثال، ترتبط طيران الإمارات بصفقات رعاية مع كلٍ من نادي مانشستر سيتي، الذي تصدر قائمة النوادي الأعلى دخلاً للمرة الثانية في موسم 2021-22 بإيرادات بلغت 731 مليون يورو (797.8 مليون دولار)، وريال مدريد (المرتبة الثانية)، وآرسنال (المرتبة العاشرة)، وميلان (المرتبة الـ16)، بالإضافة لباريس سان جيرمان ونيوكاسل يونايتد اللذين حققا مراكز متقدمة في القائمة أيضاً، أما نادي بايرن ميونيخ (المرتبطة السادسة) فيرتبط بعلاقات مع الخطوط الجوية القطرية.

وزادت إيرادات مانشستر سيتي بقيمة 120 مليون يورو مقارنة بالعام المالي الماضي، بينما زادت إيرادات باريس سان جيرمان بأكثر من 18 مليون يورو.

أسباب استثمار الخليج في القطاع الرياضي؟

في تصريح لـ«CNN الاقتصادية»، رأى كيران ماجواير، الأستاذ بجامعة ليفربول والمتخصص في الإدارة المالية لاتحادات كرة القدم، أن سبب اهتمام الخليج بالاستثمار في النوادي الرياضية الأوروبية هو الشعبية الهائلة التي تحظى بها لعبة كرة القدم حول العالم، خاصةً دوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي، فهذه الاستثمارات تتيح لدول الخليج تأسيس علاقات ثقافية واجتماعية قوية مع هذه المؤسسات.

في الوقت نفسه، أشار تقرير منظمة «أتلانتيك كونسيل» الأميركية المتخصصة في العلاقات الدولية إلى أن شراء دول الخليج للأندية الأوروبية هو أداة لتعزيز قوتها الناعمة ودعم سمعتها في العالم الغربي.

واتفق سايمون تشادويك، أستاذ الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي بكلية سكيما للأعمال بفرنسا، مع هذا الرأي، إذ قال في حديث مع «CNN الاقتصادية» إن دول الخليج تسعى لبسط رقعة نفوذها من خلال هذه الاستثمارات الرياضية، وأحدث دليل على ذلك هو عرض المملكة العربية السعودية المقترح لاستضافة كأس العالم 2030، بالتزامن مع عروض مشابهة من مصر واليونان. ويأتي ذلك في ظل زيادة إقبال دول المنطقة على استخدام الرياضة كوسيلة دبلوماسية مؤثرة وأداة للقوة الناعمة.

كما أشار إلى الدوافع الاقتصادية لهذه الصفقات والتي تتمثل في تحقيق إيرادات من الألعاب الرياضية المختلفة، خاصةً كرة القدم، فحين استحوذت أبوظبي على مانشستر سيتي في عام 2008، كان النادي يحتل آنذاك المرتبة الـ17 في دوري ديلويت المالي السنوي، أما الآن فهو يتصدر القائمة بعد أن ارتفعت إيراداته من أقل من 100 مليون جنيه سنوياً في ذلك الوقت إلى ما يزيد على 700 مليون جنيه سنوياً في الوقت الحالي، في الوقت نفسه تساعد هذه الاستثمارات الرياضية دول الخليج على تنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على قطاع النفط والغاز.

وأوضح كيران أن دول المنطقة تسعى للاستفادة من هذا القطاع المتنامي لخلق فرص استثمارية جديدة لدعم اقتصادها وتنويع مصادر دخلها وتجنب الآثار السلبية لنفاد النفط في المستقبل.

تغيير في الاستراتيجية

وشهدت الآونة الأخيرة تحولاً نسبياً في استراتيجية الخليج الاستثمارية، فبعد أن كان يعتمد على الاستثمار في الخارج، أصبح يسعى لجذب الفعاليات الرياضية العالمية إلى الداخل المحلي، وبدا ذلك جلياً في الجهود الأخيرة لجذب أساطير كرة القدم العالمية أمثال كريستيانو رونالدو، وليونيل ميسي، وكريم بنزيمة، وسيرخيو راموس، وغيرهم من كبار نجوم الساحرة المستديرة. و انضم بعضهم بالفعل إلى دوري كرة القدم السعودي، بينما تشير التوقعات لانضمام المزيد منهم إلى الدوري المحلي، ما يحوله من كيان غير معروف نسبياً إلى أحد أهم وأشهر كيانات كرة القدم في العالم، وفقاً لتقرير مؤسسة «أتلانتيك كاونسيل» في يونيو حزيران الحالي.

وتوقع كيران استمرار السعودية والإمارات في استضافة المزيد من الفعاليات الدولية ومشاهير الرياضة العالميين في إطار سعيهما لتعزيز العلاقات الدولية، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية، وزيادة التأثير على المشهد الرياضي الدولي.

ولفت إلى أن أحدث الخطط المستقبلية لدول الخليج في هذا المجال هي محاولة السعودية استقبال بطولة كأس العالم مرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط، متوقعاً المزيد من عمليات الاستحواذ على الأندية الكبرى في المستقبل.

أهداف جديدة

شهدت الآونة الأخيرة عدة استثمارات خليجية في ألعاب رياضية غير كرة القدم وخارج النطاق الجغرافي لأوروبا التي ظلت لفترة طويلة الوجهة الاستثمارية المفضلة لدول الخليج في المجال الرياضي. وينم هذا التحول عن طموح خليجي للتوسع في قارات أخرى وتغيير المشهد الرياضي العالمي.

وتعليقاً على ذلك، قال شادويك «نشهد حالياً تحول القوة الاقتصادية والسياسية من شمال إلى جنوب العالم، فعالم الرياضة لم يعُد حكراً على الولايات المتحدة فحسب -وإن ظلت صاحبة أكبر اقتصاد رياضي محلي في العالم- بل أصبح يتجه بشكل متزايد نحو المملكة العربية السعودية».

وأشار كيران إلى أن المملكة أصبحت تهتم بشكل متزايد بلعبة كرة السلة في الآونة الأخيرة، لأنها قد تجذب نوعاً مختلفاً من الجمهور الأميركي، ما يعزز فرص التبادل الثقافي والاستثماري بين البلدين.

ولفت شادويك إلى انتشار الأحاديث حول دراسة دول الخليج لإمكانية شراء امتيازات «إن بي إيه» (الرابطة الوطنية لكرة السلة) -وهو دوري محترف في أميركا الشمالية يتألف من 30 فريقاً- في حين تحاول السعودية شراء فرق محترفة مثل «ميامي هيت» (فريق كرة سلة أميركي محترف مقره ميامي)، والذي يُتوقع أن يلقى تأييداً واسعاً من مشجعي كرة السلة الأميركيين.

وأصبحت هذه الصفقات ممكنة بشكل أكبر بعد تخفيف قيود الملكية الصارمة التي كانت تفرضها الولايات المتحدة على شراء حصص في الاتحادات الرياضية الأميركية، إذ سمح الاتحاد الوطني لكرة السلة الأميركي مؤخراً لصناديق الثروة بشراء حصص تصل إلى 20 في المئة. وعلق مايك باس -المتحدث الرئيسي باسم الدوري- في فبراير شباط الماضي على ذلك بقوله «تخضع كل هذه الاستثمارات لمراجعة الدوري وموافقة مجلس إدارة الرابطة الوطنية لكرة السلة».

وبالمثل، أصبح دوري البيسبول الرئيسي ودوري الهوكي الوطني الأميركي يسمحان لشركات الأسهم الخاصة بالاستحواذ على حصص أقلية.

واختتم شادويك حديثه بالقول إن السعودية تهتم أيضاً بالاستثمار في العديد من الألعاب الرياضية الأخرى مثل الملاكمة والغولف، كما تهتم بالاستثمار في هذه الألعاب الرياضية في الأسواق الآسيوية مثل الصين واليابان، موضحاً أن السعودية أصبحت وجهة عالمية للعبة الغولف في الشتاء. وأشار كذلك إلى اهتمام الإمارات بالاستثمار الرياضي الدولي في لعبتي الكريكيت والرغبي.