يرتقي نجوم البث الصوتي ( البودكاست) بشهرتهم إلى آفاق جديدة، حيث تعرض عليهم المؤسسات الإعلامية صفقات بمبالغ ضخمة للحصول على حقوق الإعلان والتوزيع.

وأبرم لاعبا كرة القدم الأميركية، ترافيس وجيسون كيلسي، صفقة بقيمة 100 مليون دولار هذا الأسبوع مع استوديو البودكاست «وندري»، التابع لشركة أمازون، ما يُسلّط الضوء على تحول كبير في مشهد البودكاست يركّز على سعي منصات البث الرائدة للسيطرة على حقوق التوزيع والإعلان.

وفي الأشهر الأخيرة وقّعت شركة سيريوس إكس إم صفقة بقيمة 100 مليون دولار للحصول على حقوق توزيع البودكاست الشهير «عديم الذكاء» الذي يستضيفه ويل أرنيت وجيسون باتمان وشون هايز، ووقّعت سبوتيفاي صفقة جديدة تمتد لعدد من السنوات مع جو روغان بقيمة تصل إلى 250 مليون دولار، معلنة أن البودكاست الأعلى أداءً على المنصة لن يستمر كمنتج حصري على التطبيق.

وفي وقتٍ سابق من هذا الشهر، غادرت أليكس كوبر منصة سبوتفاي لتوقّع عقداً لمدة ثلاث سنوات بقيمة 125 مليون دولار مع سيريوس إكس إم، ويمنح العقد الجديد سيريوس إكس إم حقوق الإعلان والتوزيع الحصرية للبودكاست الذي يقدم محتوى عن العلاقات اسمه «اتصل بأبيها».

وتشير الأرقام المذهلة إلى عودة منصات البث الكبرى إلى دفع مبالغ ضخمة للنجوم مقابل تقديمهم البودكاست، ولكن مع تغيير في استراتيجيتها التجارية السابقة، بدلاً من الاعتماد على مقدمين قد يفشلون في جذب جمهور ضخم، تبرم الشركات صفقات إعلانية وتوزيعية لنشر البرامج والحلقات عبر منصات متنافسة.

في الماضي كانت شركات البودكاست العملاقة تأمل أن يؤدي توقيعها صفقات حصرية مع نجوم ذات شهرة عالية إلى طوفان من المشتركين الجدد ودولارات الإعلانات، لكن هذا لم يتحقق بالضرورة.

يقول مايكل رويدا، رئيس قسم الرياضة والترفيه في الولايات المتحدة في ويزرز، وهي شركة محاماة دولية تقدم المشورة لمنتجي البودكاست بشأن العقود، «المواهب لم تنتج المحتوى المتوقع منها، لذا تولدت مخاطر كثيرة، فتعرضت شركات ومنصات البودكاست للمتاعب باعتبارهم الطرف الذي وظفهم».

بودكاست الأمير هاري وميغان

كانت أبرز الصفقات الفاشلة هي شراكة سوبتيفاي بملايين الدولارات مع الأمير هاري وميغان دوقة ساسكس، والتي كانت تهدف إلى إنتاج العديد من البرامج ولكنها لم تسفر في النهاية إلا عن سلسلة واحدة وبرنامج خاص بالعطلات، ثم انفصل الزوجان عن سبوتيفاي عام 2023، بعد عامين من انخفاض مبيعات الإعلانات.

وترجّح منصات البودكاست أن يسهم التحول إلى توزيع العروض على منصات عديدة مع منح شركة واحدة سيطرة على مبيعات الإعلانات، في توزيع المخاطر عبر منصات متعددة.

وبموجب صفقة الأخوين كيلسي، ستحصل «وندري» على حقوق مبيعات وتوزيع إعلانات حصرية للبودكاست، وتأتي الاتفاقية قبل افتتاح دوري كرة القدم الأميركية الشهر المقبل، ما يمثل فوزاً كبيراً لشركة وندري نظراً لأن برنامج الأخوين كيلسي هو عادةً أفضل بودكاست رياضي خلال موسم كرة القدم.

وتسعى منصات البودكاست إلى استرداد قيم الصفقات الكبيرة «المكونة من تسعة أرقام» من إيرادات الإعلانات، للاستفادة من تغيير طبيعة الصفقة، بحيث لا تكون حصرية من حيث النشر ولكن حصرية من حيث المبيعات والإعلان.

وبموجب مثل هذه العقود تفترض الشركات أن الجمهور المتزايد للبودكاست سيترجم إلى مبيعات إعلانية أعلى.

وبالنسبة لمقدمي البودكاست فإن الصفقات جذابة بالقدر نفسه حيث توفّر مبلغاً كبيراً لتغطية النفقات العامة للإنتاج مع توفير الوصول إلى الموارد والاتصالات المرتبطة بالمنصات الكبيرة.

ويتزامن هذا التوجه مع ارتفاع عائدات الإعلانات مرة أخرى، بعد عامين من التراجع.

وفقاً لتقرير حديث صادر عن شركة ماغيلان إيه اي، ارتفع إنفاق المعلنين على البودكاست بنسبة 22 في المئة هذا العام، ومن المتوقع أن يتجاوز إجمالي إيرادات إعلانات البودكاست حاجز الملياري دولار في عام 2024.

وأفاد نحو 100 مليون أميركي بالاستماع إلى بودكاست واحد على الأقل في الأسبوع، وفقاً لمسح أجرته شركة إديسون للأبحاث هذا العام، وأنه بينما يقضي الأميركيون أكثر من أربع ساعات يومياً في الاستماع إلى المحتوى الصوتي، فإن المستهلكين يخصصون 20 في المئة من وقتهم «الصوتي» المدعوم بالإعلانات يومياً للبودكاست.

وفي أحدث تقرير ربع سنوي لها، أضافت سبوتيفاي 7 ملايين مشترك مدفوع الأجر بإجمالي 246 مليوناً، بينما نمت إيرادات الشركة المدعومة بالإعلانات بنسبة 13 في المئة، وقال متحدث باسم سبوتيفاي لشبكة سي إن إن، إنه بسبب ارتفاع عدد المشتركين لمستوى قياسي من المرجح أن يكون عام 2024 هو أهم عام للبودكاست في الشركة.

وفي حين تقدم صفقات البودكاست التي تكلفت مئات الملايين من الدولارات أملاً جديداً لميزانيات الشركات، يبقى أن نرى ما إذا كانت الصفقات ستثبت أنها مربحة على المدى الطويل.

يقول رويدا «كل شيء يبدو رائعاً في البداية ثم قد تنشأ مشكلات جديدة، ما قد يتسبب في تحول آخر، هكذا تعمل هذه الأسواق، ولكن في المستقبل القريب يبدو أن هذه هي الطريقة التي ستتحرك بها المنصات، لذلك يوقعون مع مقدمي البودكاست ويتصورون أنهم قادرون على توليد الإيرادات».