في الوقت الذي يُعرف عن السكك الحديدية قضبانها الفولاذية، وإمكانية تسلقها التلال شديدة الانحدار، مرت تكنولوجيا القطارات بالكثير من المراحل المتطورة على مدار مئتي عام لتغزو المدن والجبال والمناجم العميقة في ظل بعض من أكثر المناخات تطرفاً.
فيما يلي مجموعة مختارة من خطوط السكك الحديدية التي تختلف عن الصور النمطية؛ للوصول إلى الأماكن التي يصعب الوصول إليها.
«فوبرتال شويببان» في ألمانيا
بُني قطار «فوبرتال» الأسطوري الأحادي في منطقة شمال الراين وستفاليا الألمانية، بهدف ربط العديد من المدن الصناعية على طول الوادي الضيق المتعرج لنهر «ووبر»، اكتمل الخط المعلق في 1901 وكان له دور فعال في نمو المدن، التي اندمجت في النهاية لتصبح مدينة «فوبرتال» في عام 1929.
بالنسبة لسكان فوبرتال، فالقطار المعلق هو العمود الفقري لشبكة النقل بالمدينة، إذ يمكنه الانزلاق حتى 40 قدماً فوق الشوارع المزدحمة لتقديم رحلات سريعة ومباشرة على طريق يبلغ طوله ثمانية أميال.
تأتي القضبان الفردية التي تحمل القطارات مدعومة بسلسلة من 486 بوابة فولاذية تزن نحو 20 ألف طن.
وينقل القطار المعلق أكثر من 80 ألف شخص يومياً بواسطة 31 عربة مفصلية حديثة تسير بسرعة تصل إلى 37 ميلاً في الساعة.
«ستوسبان» في سويسرا
في ديسمبر 2017، افتتحت سويسرا قطار «ستوسبان» صاحب الرقم القياسي الحالي لأعلى خط سكة حديد عام في العالم؛ ما جعله وسيلة جذب سياحي.
تسمح عربات القطار الدوارة الفريدة للركاب بالحفاظ على توازنهم، والسفر بهدوء أعلى الجبل عند منحدرات تصل إلى 110 في المئة، على طريق يزيد قليلاً على ميل واحد (أي ما يعادل نحو 1.74 كيلومتر).
وفي خمس دقائق فقط، يتسلق خط السكة الحديد نحو 2450 قدماً (أي ما يعادل نحو 744 متراً) من محطة الوادي.
جاء هذا القطار ليكون شريان الحياة في قرية ستوس الواقعة على قمة جبل خالٍ من السيارات جنوب زيورخ.
في كل عام ، يشحن القطار نحو 10 آلاف طن من الإمدادات الأساسية التي تصل إلى أعلى التل لخدمة المطاعم والفنادق، إضافة إلى نقل القمامة والمواد المراد إعادة تدويرها إلى أسفل.
يمكنه أيضاً نقل نحو 1500 راكب في الساعة، إضافة إلى ألواح التزحلق على الجليد، بزيادة قدرها 50 في المئة على القطار الجبلي المعلق السابق.
«هايث بيير» في إنجلترا
اختلف قطار «هايث بيير» عن السكك الحديدية البريطانية المعتادة التي اعتبرت عامل جذب في العديد من المنتجعات الساحلية في القرن التاسع عشر، ويمكن تجربتها حتى اليوم، على طول الساحل الجنوبي لإنجلترا، لتوفير رابط استثنائي بين الأرض الجافة وعبّارات «هايث» التي تنقل الركاب ذهاباً وإياباً عبر مياه ساوثهامبتون منذ العصور الوسطى.
افتتح الرصيف الحالي في 1881، وأضيف خط سكة حديد ملتوي يبلغ ارتفاعه نحو 2100 قدم في 1909، وهو أقدم خط سكة حديد يعمل باستمرار في العالم.
في البداية، دُفعت العربات يدوياً، ولكن في 1922 حلت سكة حديد كهربائية جديدة ذات مقياس ضيق محل المسار الأصلي.
«تشونغتشينغ مونوريل» في الصين
اضطرت سلطات النقل في الصين إلى البحث عن بديل للقطارات التقليدية في مدينة تشونغتشينغ؛ بسبب التضاريس الموجودة فيها، والتباين الواضح بين الهضاب الجبلية ذات الكثافة السكانية العالية، إلى جانب وديان نهر اليانغتسي وجيالينغ، حتى باتت الآن موطناً لأطول أنظمة السكك الحديدية الأحادية الأكثر ازدحاماً في العالم.
إن قدرة القطار الأحادي على التغلب على عقبة الصعود الحاد والمنحنيات الضيقة جعلت منه الحل المثالي، لذلك افتتح خطان بين عامي 2005، و2016، ويضمّان 70 محطة، ويمكن لهذه القطارات أن تنقل ملايين الركاب سنوياً على خطين يبلغ طولهما نحو 61 ميلاً.
ومن المعروف أن الخط الثاني يمر عبر مبنى سكني شاهق، ثم جاء الخط الثالث من هذه القطارات على بعد ما يزيد قليلاً على 34 ميلاً، كأطول خط أحادي في العالم مع عدد ركاب سنوي يبلغ نحو 250 مليوناً.
«فيروباس» في أميركا الجنوبية
قطار أم حافلة أم سيارة؟ احتار فيه الكثير، لكن المؤكد أنه واحد من أشكال النقل المرتجل الموجود عبر المناطق الجبلية في أميركا الجنوبية.
من خلال الجمع بين أشكال حافلات الطرق القديمة وعجلات السكك الحديدية، فإن هذه التحفة الإبداعية هي شريان حياة للقرى الجبلية النائية التي تفتقر إلى الوصول الرسمي للطرق.
باستخدام خطوط السكك الحديدية المهجورة التي تأسست غالباً في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يمكن العثور على طرق «فيروباس» في تشيلي وبوليفيا وكولومبيا، إذ تتسلق أعالي جبال الأنديز.
تحظى رحلات «فيروباس» بشعبية متزايدة بين السائحين الذين يبحثون عن تجربة لا تُنسى، ويرغبون على الأرجح في تجنب الرحلات البرية غير المريحة الخطيرة في كثير من الأحيان، لكنها تتطلب صبراً وقدرة على التحمل أيضاً.
يخصص «غوندولا كاريل» في تشيلي من لوس أندس إلى ريو بلانكو في شمال سانتياغو، للسائحين فقط، لكن البعض الآخر يوفر وسائل نقل منتظمة، للسكان المحليين والسائحين على حد سواء.
على الرغم من وجود خطر دائم من الانحرافات، والاضطرابات الناجمة عن الفيضانات وانهيارات الصخور والطقس القاسي، فإن بوليفيا هي بؤرة عالم «فيروباس»، مع ثلاثة طرق على الأقل.
«بوكيمون معك» في اليابان
يسود اللون الأصفر الفاتح على القطار من الداخل والخارج، ليرتدي هذا القطار الياباني حلة «بيكاتشو» الشخصية الكارتونية الشهيرة.
تكسو زخارف «بيكاتشو» كل شيء من الأرض إلى الجدران والستائر، يتكون القطار من سيارة واحدة بها مقاعد، في حين جُهزت السيارة الثانية لتكون غرفة ألعاب متنقلة لمحبي «بوكيمون» الصغار.
خلال الرحلة التي تستغرق ساعتين من إتشينوسيكي إلى كيسين-نوما، يمكن للأطفال اللعب والقيلولة والاختلاط مع «بيكاتشو» العملاق أو حتى التظاهر بقيادة القطار.
قدمت اليابان «بوكيمون معك» أو كما يُعرف بالإنجليزية «بوكيمون ويذ يو» في عام 2017 لرسم الابتسامة على الوجوه المحلية بعد الزلزال المدمر تسونامي عام 2011، والذي أدى أيضاً إلى انهيار المفاعل في منطقة فوكوشيما المجاورة، وهو واحد من العديد من القطارات الممتعة التي تديرها شركة السكك الحديدية «جيه أر إيست».
بدءاً من القطارات البخارية التقليدية وصولاً إلى القطارات البخارية الفخمة والمزينة بشكل رائع بين المدن والمنتجعات، فهي جزء من ثقافة السكك الحديدية الغنية والنابضة بالحياة بشكل لا يصدق والتي تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم إلى اليابان.
مترو الأنفاق الصغير في بودابست
تملك العاصمة المجرية بودابست أقدم خط سكك حديدية في العالم، إذ يعمل الخط «إم 1» منذ مايو أيار 1896.
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت المجر رائدة في تكنولوجيا السكك الحديدية الجديدة. كان هذا الخط القصير الذي يبلغ طوله 2.3 ميل أسفل شارع أندراسي على جانب بيست من نهر الدانوب هو ثالث خط سكك حديدية كهربائي تحت الأرض في العالم، وافتتح بعد فترة وجيزة من خطوط مماثلة في لندن وليفربول بإنجلترا.
تأسست الأنفاق الأولى في بودابست بمظهر جانبي صغير بشكل غير عادي، ما أطلق عليه السكان المحليون اسم «كيسولدالاتي» أو مترو الأنفاق الصغير.
استبدلت القطارات الأصلية، التي تشبه إلى حد كبير عربات الشحن المزودة بملاحق خشبية، في 1973 عندما أعيد بناء الخط «إم 1» وتمديده.
ينضم آلاف الأشخاص يومياً إلى القطارات الصفراء الصغيرة، وهي نسبة أعلى بكثير مما كانت عليه عندما اكتملت، ولكن مع منصاتها المنخفضة وقطاراتها القصيرة، فهي مختلفة تماماً عن تجربة المترو المعتادة في المدينة.
القطار المعلق ذو الأرضية الزجاجية في الصين
على مدى العقدين الماضيين، أصبحت صناعة السكك الحديدية في الصين الأكبر والأكثر تنوعاً في العالم، بفضل التوسع المذهل لشبكة البلاد عالية السرعة والصادرات العالمية.
يتطلب حجم وتنوع هذه الدولة الهائلة حلولاً بارعة لخدمة المناطق التي لا تستطيع القطارات التقليدية الوصول إليها. ومن الأمثلة الفريدة على ذلك أول خط حديدي معلق في العالم بأرضية زجاجية في مقاطعة سيتشوان.
يربط مشروع «دايي» للسكك الحديدية الجوية أربع محطات في المواقع السياحية المزدحمة على طريق سبعة أميال (أي ما يعادل نحو 11.5 كيلومتر) في مدينة تشنغدو.
تصنع أجسام السيارات خفيفة الوزن من ألياف الكربون ومواد الرغوة المركبة، وتعمل بواسطة بطاريات قابلة لإعادة الشحن بالكهرباء من مصادر متجددة.
لكن أكثر ما يميز هذه القطارات هي النوافذ البانورامية والأرضية الشفافة، إذ تتيح لنحو 120 راكباً في كل رحلة رؤية 270 درجة تجمع بين النقل النظيف والفعال الهادئ مع رحلة مشاهدة معالم المدينة الساحرة.
«دي إم في» حافلة السكك الحديدية في اليابان
تخيل سيارة يمكنها اصطحابك خارج منزلك، وتقودها إلى أقرب خط سكة حديد، ثم تتحول إلى قطار حتى تعيدك مرة أخرى إلى وسط مدينة قريبة.
قد يبدو الأمر وكأنه قصة خيالية، ولكن هذا بالضبط ما كانت تفعله حافلات السكك الحديدية «دي إم في» اليابانية منذ إطلاقها في 2021.
تسير الحافلات، التي تُقل نحو 20 راكباً في كل رحلة، في طريق يبلغ طوله 30 ميلاً بين بلدة كايو في توكوشيما ومدينة موروتو بمحافظة كوتشي.
بسعة 23 شخص بما في ذلك الركاب وأفراد الطاقم، فإن «دي إم في» حافلة تعمل بالديزل ومجهزة بمجموعة من عجلات السكك الحديدية القابلة للسحب، كما تستهلك وقوداً أقل وأرخص في الصيانة.
وصفت بأنها أول مركبة تشغيلية مزدوجة الوضع في العالم، وهي في الواقع الأحدث في سلسلة طويلة من التجارب المماثلة لتحسين خدمات السكك الحديدية الريفية.
تأمل حكومة محافظة توكوشيما أن تصبح حافلات «دي إم في» نقطة جذب سياحي في حد ذاتها، كما تعتقد أن المركبات يمكن أن تكون مفيدة في الوصول إلى المجتمعات المعزولة في حالة الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، والتي يمكن أن تترك أجزاء من الطرق أو خطوط السكك الحديدية غير صالحة للاستعمال.
«كاتومبا» في أستراليا
تقع سكة حديد «كاتومبا» ذات المناظر الخلابة في قلب بلو ماونتينز في أستراليا، وهي منافس آخر على لقب أكبر خط سكة حديد في العالم.
تستوعب السيارات ذات الأسقف الزجاجية نحو 84 زائراً في كل رحلة على منحدر 52 درجة، وحتى إذا امتلكت الشجاعة الكافية، فقد تضطر إلى ضبط خيارات زاويا مقعدك لتقليل الشعور بالمنحدر.
يعود تاريخ السكك الحديدية التي تجرها الحبال إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما كانت جزءاً من قطار «كاتومبا» للتعدين، ولكن منذ عام 1945، كان الخط المتبقي نقطة جذب سياحي مثيرة.
لقد تمكن من نقل أكثر من 25 مليون شخص منذ افتتاحه، ويتميز أحدث جيل من العربات بأسقف بانورامية، ما يسمح للزوار بالحصول على رؤية أفضل للغابة والتكوينات الصخرية.
(بين جونز – CNN)