عند النظر إلى جزيرة «هيدرا» اليونانية للوهلة الأولى تظن أنها لا تختلف كثيراً عن الجزر المجاورة لها في بحر إيجه، المتميزة بشوارعها البيضاء، وهوائها المعطر بالياسمين، ومناظرها الخلابة للمياه الزرقاء المتلألئة من حولها.
ولكن ما يميز هيدرا عن غيرها هو تخلي الجزيرة عن وسائل النقل المنتشرة حالياً، حيث يُحظر دخول السيارات، وبدلاً من ذلك يتنقل السكان باستخدام الخيول.
وهنا لا تغيب السيارات باتفاق ضمني بين سكانها فحسب؛ لكن الحظر على المركبات الآلية (باستثناء شاحنات الإطفاء والنفايات وسيارات الإسعاف)، منصوص عليه في التشريعات المحلية.
وعند النزول من العبارة إلى ميناء هيدرا، قلب الجزيرة، تقابل الزائرين خيول صغيرة تشق طريقها برشاقة عبر الشوارع المرصوفة بالحصى، وتمنحهم طعم وتيرة الجزيرة البطيئة.
وقالت هارييت جارمان، مالكة شركة «هارييتس هيدرا هورسيس» لرحلات الخيول لشبكة «CNN»، «إن هيدرا جزيرة تعيدك حقاً إلى الزمن الماضي».
وأضافت هارييت «جميع وسائل النقل في هذه الجزيرة تكون إما خيولاً أو بغالاً، ونظراً لعدم وجود سيارات، أصبحت حياة الجميع أكثر هدوءاً بعض الشيء».
تراث محفور في بصمات الحوافر
خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ازدهرت هيدرا كمركز بحري صاخب، ولكن مع حلول القرن العشرين، الذي جلب وسائل النقل الآلية إلى بقية أنحاء اليونان، كان من غير العملي التنقل بهذه المركبات في شوارع الجزيرة الضيقة ذات التضاريس الصخرية.
ولذلك تمسك السكان بوسائل النقل التي تعتمد على الخيول، والتي يمكنها اجتياز المناظر الطبيعية الوعرة بكفاءة أكبر، وبمرور الوقت أصبح هذا الاعتماد على الحوافر متأصلاً في ثقافة الهيدرا وأسلوب حياتها.
ويشيد قرار تبني وسائل النقل التقليدية التي تجرها الخيول، والمعروفة باسم «كايكيس»، بتراث الجزيرة الغني والتزامها بالحياة المستدامة.
وأسهم غياب السيارات في تحقيق الهدوء الذي لا يمكن إنكاره في الجزيرة، إذ اجتذبت المبدعين من كل مكان، وزار العديد من الفنانين المشهورين هيدرا، أو عاشوا فيها.
قالت إيلينا فوتسي، مصممة المجوهرات وإحدى سكان الجزيرة الأصليين «تتميز هيدرا بالألوان الرائعة والإضاءة الجميلة والأجواء الفريدة التي ألهمت الكثير من الناس».
وأضافت فوتسي «هيدرا هي الجنة.. إنه مكان سحري للعمل، ومن النعمة أن أتمكن من المجيء إلى هنا كفنانة».