تتميز العاصمة المصرية بفوضوية ساحرة، وإلهام خاص، وجاذبية لا تنقطع.
وتحتضن مدينة الألف مئذنة قصصاً تاريخية كثيرة، وأساطير أكثر، أما الجاذبية فهي الأكبر على سطح الكوكب.
يقول الصحفيان في CNN ريتشارد كويست وجو مينيهان، إن التحدي الأكبر هو محاولة التعمق في الأماكن لاستخلاص السبب الرئيسي وراء تلك الجاذبية.
فوضى خلابة
إن موقعها في قلب القاهرة، والروائع المدفونة بين ثناياها تجعلان من سوق خان الخليلي رقعة مثالية لبداية الرحلة عبر العاصمة.
يمكن للزائرين المنبهرين المساومة على الحُلي والتُحف ذات الطابع المصري الأصيل، ويمكنهم ملء بطونهم بأطباق الأرز باللبن المزينة بالمكسرات، كما أن مجرد مشاهدة السوق واكتشاف خباياها أمرٌ ممتع حقاً.
صادف الصحفيان في رحلتهما كريم الحيوان، وهو مصور فوتوغرافي، اصطحبهما في جولة حول المكان مُقدِّماً منظوراً مختلفاً عن المكان، إذ يقول عن القاهرة «شديدة الصخب لكن بشكل جميل، مكان مفعم بالحياة، ومتغير على الدوام»، ويضيف «إنها فوضى خلابة.. نسيج يستمر في الاتساع إلى ما لا نهاية.. تحتوي الجميع، هي شاملة وحصرية في الوقت ذاته».
متحف بدرجة العالمية
لكن بعيداً عن صخب قلب العاصمة، يتلألأ المتحف المصري الكبير على هضبة الجيزة، وعلى خلفية الأهرامات.
أكبر متاحف العالم، وبعد مرور 21 عاماً على وضع حجر الأساس له، سيُفتتح نهاية العام الجاري، وسيضم مجموعة توت عنخ آمون بأكملها، بالإضافة إلى آلاف القطع الأثرية والأشياء التي لم يتم عرضها للعامة من قبل.
كما يضم تمثالاً شاهقاً للملك رمسيس الثاني في الردهة الرئيسية، مع نافذة قريبة مصممة لتسليط الضوء على وجهه في تذكاري ولادته وتتويجه كل عام.
وقال مدير الشؤون الأثرية بالمتحف المصري الكبير الدكتور الطيب عباس «لدينا أكثر من 66 ألف قطعة أثرية سيتم عرضها لأول مرة في مكان واحد».
وعلى الرغم من متعة اكتشاف غُرف المُتحف التي تبدو لا نهائية، فإن لا شيء يُضاهي الاقتراب من الأعجوبة الكبرى الأهرامات.
ولعل ما يجعل الأمر أكثر إثارة هو حقيقة أن سنوات من العمل الأثري لم تنجح في اكتشاف عدد الغرف والأنفاق المخفية تحت الأهرامات.
خارج القاهرة.. فراعنة مختبئون للأبد
على بُعد نحو 400 كيلومتر جنوب الجيزة، يقع مكان تضعه روعته على قدم المساواة مع الأهرامات؛ وادي الملوك الملحمي في مدينة الأقصر.
تقول الصحفية والمؤلفة الدكتورة بيتسي هيل «لقد انتقلوا -الفراعنة- من بناء الهرم إلى غرف الدفن المخفية»، وأضافت «لقد أرادوا أن يختبئوا بعيداً حتى يتمكنوا من العيش في الأبدية ولا يتم العثور عليهم».
وعلى الرغم من إحباط أمنيات بعض الفراعنة بسبب ازدهار علم الآثار في القرنين التاسع عشر والعشرين، فإن بعضها لا يزال مخفياً عن الأنظار.
مقبرة الفرعون «سيتي الأول» واحدة من أهم الاكتشافات في الوادي، واكتُشفت عام 1817، أي بعد نحو 3200 عام من دفنه.
تتحدث النصوص المكتوبة في المقبرة عن قصص وأساطير التقدم الهائل لشعب عاش وحكم منذ آلاف السنين.
«معبد» عاد إلى الحياة
وبينما تبحر جنوباً على طول نهر النيل، يستدرجك هدوء عميق بعيداً عن صخب القاهرة، حيث تعتبر الرحلة النهرية بالقارب أفضل الطرق للتأمل في مدى روعة هذا المكان من العالم.
بالقرب من أسوان، يقع معبد فيلة، الذي لا يقل تاريخه الحديث إثارة عن تاريخ إنشائه منذ آلاف السنين.
تقول عالمة المصريات الدكتورة مونيكا حنا، التي كرست حياتها لعلم الآثار والحفاظ على المواقع القديمة في مصر «كانت فيلة تقع على جزيرة مختلفة، ثم تم نقلها لحمايتها من الفيضانات».
شرحت حنا كيف بدأت اليونسكو والحكومة المصرية في عام 1960 مشروعاً لإنقاذ فيلة، إذ كانت المياه قد غمرته بعد الانتهاء من بناء السد العالي جنوب أسوان، ما ترك الموقع مغموراً بالمياه معظم أيام العام، مع قطع أثرية قديمة ثمينة في طور الضياع أو التدمير إلى الأبد.
استمر مشروع نقل المعبد إلى جزيرة «أجيليكا» أكثر من 10 سنوات، أسفرت عن اكتشافات جديدة بسبب فك وتركيب المعبد كقطع الأحجية.
بين الزحام والهدوء
تعد قصة النهضة الأثرية لمدينة فيلة جزءاً من القصة الأوسع لمصر، المكان الذي يظل وجهة كلاسيكية للمسافرين، جواهر الماضي تتألق سواء داخل قاعات المتحف المصري الجديد أو في ذهول أمام الأهرامات، أو بين أحضان النهر في فيلة.
إلى جانب ذلك، هناك شيء شديد الجاذبية في ضجيج القاهرة وازدحامها، وهو أمر فريد من نوعه بالنسبة لهذا البلد الرائع الذي يقدم دعوة مفتوحة للزائرين للانغماس في تفاصيله.
ريتشارد كويست وجو مينيهان (CNN)