اقترن اسم شركة بوينغ بالكوارث، بدءاً من أبواب فقدت براغيها، إلى أضرار ناتجة عن الحرارة في مآخذ الهواء، أو صدع في نافذة قمرة القيادة، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فمع سقوط الطائرة 787 دريملاينر فجأة في منتصف الرحلة، أصبحت طائرات بوينغ كابوساً حقيقياً للمسافرين، كما تواجه الشركة مصيراً قاسياً، ما يصعب من استعادة ثقة شركات الطيران والمنظمين والركاب.

سقطت طائرة 787 دريملاينر، يوم الاثنين، فجأة في منتصف الرحلة، ما أدى إلى إصابة العشرات من الركاب، بعد أن قال الطيار إنه فقد السيطرة على الطائرة مؤقتاً.

وتمكن الطيار من استعادة الطائرة والهبوط بها بأمان، لكن لم يتضح بعد سبب سقوط هذه الرحلة التي كانت متجهة من أستراليا إلى نيوزيلندا، فقد وُصف الأمر بأنه (حدث تقني)، بينما قالت بوينغ إنها تعمل على جمع المزيد من المعلومات، في الوقت الذي تترقب فيه الإدارة تحليلاً لما حدث بالفعل.

استعادة ثقة العملاء

انخفض سهم بوينغ، بنسبة 3 في المئة يوم الاثنين بسبب الأخبار المتعلقة بالرحلة المرعبة التي سقطت، وواصل انخفاضه بنسبة 1.5 في المئة في تداول ما قبل السوق يوم الثلاثاء.

وتراجعت القيمة السوقية لشركة بوينغ، إذ بلغت في مارس آذار الجاري 112.4 مليار دولار، بعدما كانت 124.4 مليار دولار في فبراير شباط الماضي، لتواصل التآكل منذ أن وصلت إلى 129.5 مليار دولار في آخر يناير كانون الثاني الماضي.

تهدد الكوارث مصير بوينغ متمثلة في انخفاض الأسهم، أو التوقف الكامل لأي زيادات في الإنتاج لبرنامج 737 ماكس، في الوقت الذي كانت تحسب فيه أنها تعود بقوة خاصة بعدما عادت طائرات بوينغ 737 ماكس 9 الموقوفة عن الطيران أخيراً إلى السماء، لكن الأزمة الأكبر التي تواجه بوينغ تتمثل في فقدانها ثقة العملاء والمنظمين.

وقبل سقوط الطائرة، تطرقت جامعة (ييل) الأميركية في تحليل مفصل، بعنوان ( كيف يمكن لبوينغ استعادة الثقة؟)، إذ أفاد بضرورة تغيير عمليات الحوكمة ومراقبة الجودة الداخلية لتمكين السلامة وتضمينها بشكل أعمق، مستشهداً بحوادث تحطم طائرات ماكس في عام 2019 التي أسفرت عن مقتل 376 شخصاً، عندما أنشأ مجلس إدارة شركة بوينغ لجنة فرعية خاصة بسلامة الطيران مكونة من خمسة أفراد، إضافة إلى كبير مسؤولي سلامة الطيران داخل الشركة.

ومع ذلك، فإن استمرار تفاقم مشكلات السلامة يعني أنه من الواضح أن شيئاً لا يزال خاطئاً في المنظومة، كما يزداد التحدي بالنسبة إلى بوينغ لاستعادة ثقة العملاء.

وأوضح تقرير (ييل) أن شركة بوينغ فقدت الرقابة الوظيفية والسيطرة على مورديها، وهي المشكلة التي تفاقمت بسبب الافتقار إلى تنويع سلسلة التوريد، ويتجسد هذا في العلاقة المختلة بين شركة بوينغ وشركة سبيريت آيروسيستمز، التي تصنع جميع أجسام طائرات بوينغ تقريباً، مشيراً إلى بعض تقارير الصحف الأميركية التي كشفت حالات الفشل في مراقبة الجودة خلال العام الماضي.

كما سلط التقرير الضوء على ضرورة تعزيز ثقة الجمهور، بغض النظر عما يقوله المستثمرون أو المحامون، ومن الممكن تجنب الذعر الذي لا داعي له في السوق، وارتباك الموظفين، والمضاربات المثيرة إذا ظهر الوجه الإنساني المسؤول للقيادة، بدلاً من الاختباء وراء العمليات البيروقراطية أو تفويض الأخبار السيئة إلى المرؤوسين.

الكوارث تلاحق بوينغ

بدأت سلسلة الأخبار السيئة المتواصلة للشركة في عطلة نهاية الأسبوع الأولى من العام، عندما انفجر جزء من طائرة خطوط ألاسكا الجوية 737 ماكس على جانب الطائرة بعد إقلاعها مباشرة.

وكشف تحقيق فيدرالي أولي أن بوينغ ربما لم تضع البراغي في ما يسمى بسدادة الباب المصممة لمنع الجزء من الانفجار من الطائرة.

وأدى هذا الحادث إلى وقف مؤقت لطائرات معينة من طراز 737 ماكس على مستوى البلاد، أعقبه جلسات استماع في الكونغرس، وتأخير الإنتاج والتسليم، وتحقيقات فيدرالية متعددة -بما في ذلك تحقيق جنائي- وفقد السهم ربع قيمته هذا العام، ما أدى إلى خسارة أكثر من 40 مليار دولار من القيمة السوقية للشركة.

وتقدر الخسائر المحتملة لبوينغ بمليارات الدولارات الإضافية، وذلك بين الدعاوى القضائية والغرامات المحتملة.

لكن الأخبار السيئة لم تتوقف عند هذا الحد، في فبراير شباط أفاد طيارون على متن طائرة تابعة لشركة يونايتد إيرلاينز 737 ماكس أن أجهزة التحكم في الرحلة تعطلت أثناء هبوط الطائرة في مدينة نيوآرك بولاية نيوجيرسي، ما دفع المجلس الوطني لسلامة النقل بالتحقيق في الأمر.

قبل أسبوعين، أبلغت إدارة الطيران الفيدرالية عن مشكلات تتعلق بالسلامة مع معدات إزالة الجليد في طرازي 737 ماكس و787 دريملاينر، والتي يمكن أن تتسبب في فقدان المحركات للدفع.

وسمحت إدارة الطيران الفيدرالية للطائرات بمواصلة الطيران، وقالت بوينغ إن المشكلة لا تشكل خطراً مباشراً على السلامة.

وفي الأسبوع الماضي، تلقت بوينغ المزيد من الأخبار السيئة، إذ قال المجلس الوطني لسلامة النقل إن بوينغ لم تقدم بعد سجلات الشركة التي توثق الخطوات المتخذة على خط التجميع لاستبدال قابس الباب في طائرة خطوط ألاسكا الجوية.

وأفصحت إدارة الطيران الفيدرالية أن مشاكل السلامة والجودة التي تواجهها بوينغ تمتد إلى ما هو أبعد من عدم قدرتها على إنتاج الأعمال الورقية.

وقال مدير إدارة الطيران الفيدرالية مايك ويتاكر يوم الاثنين في مؤتمر صحفي، إن الهيئة التنظيمية وجدت مشكلات تتعلق بالجوانب المهمة في خط التصنيع والتجميع الخاص بشركة بوينغ.

وأوضحت بوينغ أنها تعمل على حل العديد من المشكلات التي حددها ويتاكر، وأصدرت إدارة الطيران الفيدرالية تعليمات إلى صانع الطائرات بتقديم خطة لإصلاح مشكلات الإنتاج بحلول أواخر مايو أيار.

وقالت بوينغ إنه استناداً إلى تدقيق إدارة الطيران الفيدرالية وتخفيضات الجودة لدينا وتقرير لجنة الخبراء الأخير، فإننا نواصل تنفيذ تغييرات فورية وتطوير خطة عمل شاملة لتعزيز السلامة والجودة وبناء ثقة عملائنا وركابهم، كما نركز في الوقت الحالي، بشكل مباشر على اتخاذ إجراءات مهمة.