«سأقدم باكراً طلباً لنا بحرية التحرك؛ إذ إن منزلنا يقع داخل المنطقة الرمادية التي تشهد انعقاد بعض المسابقات الأولمبية»، بهذه الجملة بدأ كليمون جينامار الذي يسكن في منزل عائم في نهر السين، حديثه مع «CNN الاقتصادية».
يرسو مركب عائلة جينامار في ميناء الكونكورد الذي يقع عند سفح النهر على بعد أمتار قليلة من الميدان الذي يحمل الاسم نفسه وعلى بعد أمتار قليلة من جسر ألكسندر الثالث.
وقامت السلطات الفرنسية المعنية بملف الأولمبياد بتقسيم المواقع الأولمبية إلى ثلاث مناطق، المنطقة الحمراء والمنطقة الزرقاء والمنطقة الرمادية، الأولى يُمنع فيها سير كل المركبات ذات المحركات والثانية نطاقها أوسع قليلاً، ويُسمح فيها بسير المركبات ذات المحركات بشكل محدود بعد الحصول على تصاريح، أما المنطقة الرمادية فهي مكان المسابقات.
ويضيف جينامار الذي يمتلك شركة لترميم الآثار «نحن معتادون على مثل هذه الإجراءات ولكنها تستمر يومين أو ثلاثة وقت وصول سباق درجات فرنسا إلى مرحلته النهائية في شارع الشانزليزيه، أو وقت العرض العسكري السنوي الذي ينظم بمناسبة العيد الوطني لفرنسا في الرابع عشر من يوليو تموز، ولكن هذه المرة، تستمر الإجراءات أربعة أشهر».
وتشهد باريس تنظيم الألعاب الأولمبية في الفترة من 26 يوليو تموز حتى 11 أغسطس آب، تعقبها الألعاب البارالمبية من 28 أغسطس آب حتى 8 سبتمبر أيلول.
ويعوّل الاقتصاد الفرنسي كثيراً على هذه الألعاب لتأكيد فرنسا كوجهة أولى للسياحة في العالم، استقبلت فرنسا 100 مليون سائح عام 2023، ويأمل الفرنسيون أن يزيد هذا العدد بفضل تنظيم الحدث الرياضي الأكبر في العالم.
إجراءات أمنية مشددة
ولكن يخشى مراقبون وغرفة السياحة الفرنسية من عزوف السائحين، ما يترتب عليه انخفاض عدد القادمين إلى باريس بسبب الإجراءات المشددة التي تتخذها الشرطة من فرض مناطق محدودة السير والتحرك داخل المدينة، فضلاً عن ارتفاع قيمة إيجار المساكن، فطمع الكثير من الفرنسيين في تأجير مساكنهم للسائحين عبر تطبيقات الضيافة مثل بوكينغ وإير بي إن بي، بمبالغ طائلة للاستفادة بإيرادات الإيجار والسفر في عطلات خارج فرنسا لتجنب التضييقات الأمنية وقيود السير باستخدام «كيو آر كود».
كمٌّ ضخم من المنازل معروض للإيجار
الحال نفسه تعاني منه آن لور ماليه، التي تعمل في مجال عروض الأزياء، فقد كانت تنتوي تأجير شقتها التي تبلغ مساحتها 40 متراً والواقعة بالقرب من محطة قطارات الشمال جار دي نور، لاستغلال الأموال في السفر إلى جزيرة المارتينيك، وهي إحدى المقاطعات الفرنسية الواقعة خارج بر فرنسا الرئيسي ضمن أقاليم ما وراء البحار.
ويُظهر تصفح موقع بوكينغ أن هناك نحو 4994 غرفة لا تزال متاحة للإيجار في باريس فقط دون ضواحيها والتي ستشهد كذلك انعقاد عدد كبير من المسابقات، وتُظهر صفحات بوكينغ انخفاضاً في القيمة الإيجارية لكثير من الفنادق والشقق السكنية.
وتقول ماليه «عرضت منزلي للإيجار منذ ثلاثة أشهر مقابل نحو 5 آلاف يورو، ولم أستقبل أية طلبات حتى الآن، قد أضطر إلى تخفيض السعر أو التراجع عن فكرة التأجير والبقاء في باريس». وتُرجع السيدة الثلاثينية هذا الوضع إلى كثرة المعروض، وأظهرت بيانات غرفة الفنادق الفرنسية في أبريل نيسان الماضي أن حجم المساكن المعروضة بالقرب من المواقع الأولمبية يبلغ نحو 150 ألف مسكن في باريس وضواحيها وأن هذا الرقم يمثل زيادة تقترب من ضعفي المعروض في الأوقات العادية والذي يبلغ نحو 50 ألف مسكن فقط.
تنتظر فرنسا وصول 16 مليون سائح خلال فترة الألعاب الأولمبية. وتتوقع المؤسسات الاقتصادية الفرنسية أن تصل العائدات من تنظيم دورة الألعاب الأولمبية في باريس وضواحيها إلى نحو 10 مليارات يورو، وهو ما يعني تحقيق إيرادات سياحية خلال أسبوعين ما كان يتحقق في شهرين.
تسعى فرنسا إلى الترويج لتجربة فرنسية فريدة أثناء فترة الأولمبياد بفضل ثقافة الطهي وانتشار مطاعم الذواقة، ولكنها تخطط كذلك إلى تنظيم بعض المسابقات داخل ملاعب مقامة في الميادين العامة وداخل نهر السين الذي يعبر باريس ويقسمها إلى شطرين «الضفة اليمنى واليسرى»، كما ستنظم بعض الألعاب داخل بعض القصور التاريخية مثل القصر الكبير أو (لو جران باليه) الذي يفصل بين شارع الشانزليزيه ونهر السين حيث يرسو مركب عائلة جينامار.
وتبلغ تقديرات ميزانية تنظيم ألعاب باريس نحو 11.8 مليار يورو، يدفع القطاع الخاص نحو 85 في المئة منها، ولكن الفاتورة قد ترتفع بسبب بعض المصاريف الأخرى مثل مكافآت رجال الشرطة وعاملي شبكة قطارات مقاطعة أبل دو فرانس والتي تشمل باريس وضواحيها، فهم يهددون بالإضراب العام خلال الأولمبياد في حال عدم تحصلهم على علاوة أسوة برجال الشرطة.
وفي النهاية آل جينامار سعداء بتنظيم الأولمبياد في باريس ومرور الموكب الأولمبي في النهر أمام منزلهم العائم ولكنهم سيتوجهون بعد الأيام الأولى من انطلاق الأولمبياد إلى قضاء بقية الصيف بين جنوب فرنسا والسفر إلى إحدى دول الشرق الأوسط حيث يملكون منزلاً صغيراً، كي يتمكنوا من إدارة أعمالهم في هدوء.