يعتبر ترام كلكتا الذي دخل الخدمة منذ أكثر من 150 عاماً، رمزاً حياً لتاريخ النقل في الهند ووجهاً بارزاً للمدينة، لكنه اليوم، يواجه هذا النظام البطيء الذي يجوب شوارع المدينة خطر الانقراض، بسبب الإهمال وقلة الدعم.
وفي ما يلي نوضح الجهود المبذولة لحماية هذا الترام الذي لا يعكس فقط روح كلكتا، بل يمثل أيضاً جزءاً من هوية الهند الثقافية، وفي ظل التحديات التي يواجهها ترام كلكتا، يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الرموز التاريخية في الصمود أمام العاصفة؟
إن رنين جرس ترام يسير في شوارع مدينة كلكتا الهندية يكفي ليجعل ديب داس، الطالب البالغ من العمر 18 عاماً، يشعر بأنه يعيش «أسعد لحظة» في يومه، فيقول داس «كانت هناك أوقات تتوفر فيها الحافلات بشكل متكرر.. لكنني كنت لا أزال أنتظر الترامات».
لكن بينما يحتفي المعجبون بهذا النظام البطيء للنقل باعتباره «مجد» المدينة الكبرى وجزءاً لا يتجزأ من تاريخ كلكتا، فإن الشبكة التي يبلغ عمرها 151 عاماً مهددة.
وأسهم الإهمال في صيانة نظام الترامات في تدهورها البطيء.
يعد داس من بين مجموعة من المتحمسين تُدعى جمعية مستخدمي الترام في كلكتا (CTUA) الذين يقاتلون لحماية الترامات.
يقول ديباشيش بهاتاتشاريا، زعيم CTUA وعالم كيمياء حيوية متقاعد، إن السلطات المحلية تخاطر بفقدان وسيلة نقل رخيصة تتمتع بمزايا بيئية.
ويضيف «الاستثمار المطلوب هو الحد الأدنى»، متهماً السياسيين بتجاهل الإمكانيات الاقتصادية الناجحة للترام، «عمر الترام يتراوح بين 50 و80 عاماً، مقارنةً بين 5 إلى 10 سنوات للحافلات، وتكلفة تشغيلها منخفضة جداً»، وتثير الترامات روح المدينة بالنسبة للكثيرين، حسب قوله.
وتابع «هذه المدينة الوحيدة في الهند التي تمتلك ترامات»، و«إذا تمت إزالتها، فإن هذا المجد -ليس فقط للمدينة، بل للبلد أيضاً- سيفقد».
تحدي الصعوبات
تم تقديم الترامات في هذه المدينة الشرقية الواسعة في عام 1873 خلال الأيام الأولى للراج البريطاني، كانت الترامات في البداية تجرها الخيول، ثم تعمل بالبخار، وبدأت الترامات الكهربائية بالعمل في الشوارع عام 1900.
اليوم، تتحرك الترامات على الطرق المتعرجة في المدينة، متعرجة بين ازدحام حركة المرور من سيارات الأجرة القديمة الصفراء والشاحنات والحافلات والسيارات، وأحياناً حتى الماشية، أحياناً، تُستخدم بنية الترامات كأعمدة للغسيل، حيث تهتز الملابس في النسيم.
تسير الترامات ذات الطابق الواحد، المطلية بخطوط زاهية من الأزرق والأبيض مع قمة صفراء مشمسة، بسرعة تبلغ نحو 20 كيلومتراً (12 ميلاً) في الساعة، عندما لا تكون عالقة في الزحام.
تقول هيئة النقل في ولاية البنغال الغربية إن الترامات رخيصة وآمنة ولا تنتج أبخرة ضارة، وهي اقتصادية، حيث تستوعب خمسة أضعاف عدد الركاب مقارنة بالحافلات، وتعتبر جزءاً من «الماضي المجيد والحاضر ومستقبلنا».
«على الرغم من أن عددها قد انخفض بشكل كبير.. فإن ترام كولكاتا تمكن من تحدي الصعوبات»، حسب ما تقول الهيئة.
هوية المدينة القديمة
تبلغ تكلفة الرحلة سبع روبيات (0.08 دولار)، أقل من كوب شاي في الشارع وأرخص من الحافلة، لكن نظراً لأنها تعمل الآن وفق جداول غير منتظمة، يفضل العديد من الركاب دفع المزيد للوصول في الوقت المحدد.
بينما تمتلك الترامات مسارات ثابتة، فإن الامتثال الفوضوي لقوانين المرور في الهند يعني أنه يمكن لأي شخص تجاوزها؛ لذلك، يجب أن تعطي الترامات الأولوية، ولا يوجد مساحة للمناورة في الشوارع، لكن بالنسبة للكثير من الركاب، تمثل الرحلة رحلة عبر الزمن.
يقول رام سينغ، المعلم البالغ من العمر 54 عاماً، إن الرحلة تذكره بطفولته، عندما كانت الترامات جزءاً أساسياً من نظام النقل العام في المدينة.
وأضاف «كنا نركب الترامات، وننزل بعد محطة أو محطتين، ثم نصعد إلى الترام من الجانب الآخر ونتوقف أيضاً من ذلك الجانب»، يقول وهو يضحك، «وبهذه الطريقة، كنا نحصل على رحلات الترام، ودون الحاجة لدفع ثمن التذاكر»، الترام يعمل الآن على خطين فقط في المدينة، مقارنة بشبكة واسعة كانت تضم العديد من المسارات.
في أحد المواقع، تقف عشرات العربات الحديدية المهجورة، حيث ابتلع الصدأ ألوانها، وبعضها يعود إلى الأربعينيات.
«يجب أن تتطور المدن، لكن يجب أن يتم الحفاظ على التاريخ أيضاً»، يقول سينغ، مشيراً إلى الترامات كـ«هوية المدينة القديمة».
تقوم مجموعة داس بعقد اجتماعات مجتمعية، وتعلق الملصقات، وتحاول معالجة التحديات التي تواجه الترامات، لكن دوره يتطلب منه أيضاً مراقبة الأعطال ومشكلات الكهرباء، وهو ما يذكره بشكل صارخ بأن حياة الترامات قد تقترب من نهايتها، رغم ذلك، يَعِد بالقتال من أجل مستقبلها بكل ما في وسعه.
«أحب تراماتي أكثر مما أحب نفسي»، يقول داس «سأفعل كل ما هو ممكن».
(أ ف ب)