باتت صور الأجساد الهزيلة للأطفال الذين لم يتجاوزوا الخامسة من العمر، من الصور الشائعة نتيجة أزمة الغذاء العالمية، والتي تتفاقم بسبب الصراعات، أزمة الجوع وانعدام الأمن الغذائي التي طالت نحو 258 مليون شخص في 58 دولة حول العالم في أحدث التقارير الأممية لعام 2022، على وشك أن تأخذ منعطفاً جديداً بسبب إعلان روسيا انسحابها الشهر المقبل من اتفاق الحبوب الذي يسمح بتصدير الحبوب والأسمدة من ثلاثة موانئ أوكرانية على البحر الأسود، وهو ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للإعراب عن قلقه، يوم الاثنين.

بداية من سوريا ولبنان واليمن، وصولاً إلى سريلانكا وباكستان، يواجه العالم أزمة الغذاء الأكبر في التاريخ الحديث، ومنذ إنشاء برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة في عام 1963، لم يصل الجوع إلى هذه المستويات، والأسباب متعددة فهناك الصراعات الجديدة والتأثيرات المتصاعدة لأزمة المناخ، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود، وبالتالي أصبح ملايين الأشخاص على حافة المجاعة يومياً.

الحبوب الأوكرانية

عقب الغزو الروسي على أوكرانيا، أثار الأمر مخاوف من حدوث مجاعة عالمية، خاصة أن أوكرانيا واحدة من أكبر مصدري الحبوب على مستوى العالم.

أغلقت روسيا الموانئ الأوكرانية، ما دفع منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، آنذاك إلى التحذير من إمكانية معاناة نحو 47 مليون شخص من أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد، جراء الحرب.

تمثل أوكرانيا نحو 10 في المئة من سوق القمح العالمي، و15 في المئة من سوق الذرة، و13 في المئة من سوق الشعير، إضافة إلى دورها الأساسي في سوق زيت عباد الشمس.

منذ الصيف الماضي، سمحت اتفاقية مبادرة حبوب البحر الأسود بين الجانبين بالمرور الآمن للسفن من أوكرانيا، إنها الاتفاقية الأولى والوحيدة التي أُبرمت بينهما.

مع اضطراب سلاسل توريد الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، عقدت الأمم المتحدة وتركيا مبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، وبموجبها فقد سمحت لأوكرانيا بتصدير المنتجات الزراعية بعد الغزو الروسي في يوليو تموز الماضي، وتجددت في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

ووفقاً لأحدث تقارير الأمم المتحدة، فالاتفاقية منذ توقيعها سمحت بتصدير نحو 31.5 مليون طن من الحبوب التي شملت الذرة، وزيت عباد الشمس، والقمح، وغيرها، إضافة إلى أكثر من 1600 سفينة عبر البحر الأسود، كما توجهت نحو 55 في المئة من الصادرات الغذائية إلى البلدان النامية.

إذاً، هل يستفيد الجميع من صفقة الحبوب؟

ليس تماماً، في أعقاب الغزو الروسي رفع الاتحاد الأوروبي جميع الرسوم المفروضة على الحبوب من أوكرانيا عن طريق البر، وذلك لتسهيل الصادرات.

ومع ذلك تسبب هذا في تدفق وفرة من الحبوب الأوكرانية الرخيصة إلى وسط وشرق أوروبا، ما أضر بمبيعات المنتجين المحليين.

وكان بعض المتظاهرين قد أغلقوا حركة المرور ونقاط التفتيش الحدودية بجرارات على طول الحدود بين رومانيا وبلغاريا في محاولة لمنع الشاحنات الأوكرانية من دخول بلادهم، وقال وزير الزراعة البلغاري يافور غيتشيف إن «بلغاريا تتضامن مع أوكرانيا، ولكن هناك تخمة محلية في السوق الزراعية، لأنه بدلاً من ممرات التصدير، أصبحت بلادنا مستودعات».

لتهدئة هذه الاضطرابات، تبنى الاتحاد الأوروبي بعد ذلك إجراءً مؤقتاً يحظر تصدير القمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس التي نشأت في أوكرانيا إلى بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا.

لماذا تنسحب روسيا من اتفاقية الحبوب؟

منذ فبراير شباط الماضي، مرت اتفاقية الصادرات من الحبوب الأوكرانية بأوقات عصيبة، إذ دعت أوكرانيا المجتمع الدولي إلى مطالبة الاتحاد الروسي بالتوقف الفوري عن تقويض اتفاقية حبوب البحر الأسود، وإلغاء الحظر المفروض على الملاحة التجارية المتوجهة إلى الموانئ الأوكرانية، واستخدام الغذاء كسلاح.

لكن صفقة تصدير الحبوب في البحر الأسود توسعت بين موسكو وكييف؛ بهدف معالجة أزمة الغذاء العالمية، التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي مايو أيار، وافقت روسيا على تمديد الصفقة لمدة شهرين، والتي تشمل ثلاثة موانئ أوكرانية لكنها أعلنت أن المبادرة ستتوقف، ما لم تُرفع العقوبات عن صادرات الحبوب والأسمدة الروسية.

وقالت روسيا إنها ستسمح بمرور المزيد من السفن إذا وافق جميع الأطراف في اتفاق الحبوب على إلغاء حظر عبور الأمونيا الروسية عبر خط أنابيب يمر بالأراضي الأوكرانية إلى بيفديني لتصديرها، لذلك لفتت الأمم المتحدة إلى أهمية بدء العمل التحضيري لنقل الأمونيا الروسية عبر أوكرانيا، كجزء من جهود إنقاذ الاتفاقية للسماح بتصدير الحبوب بأمان في البحر الأسود.

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية، في يونيو حزيران، إنها لا ترى آفاقاً لتمديد اتفاق تصدير الحبوب في البحر الأسود، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، كما أوضح متحدث باسم الأمم المتحدة أن موسكو ستحد من الشحنات المتجهة إلى ميناء بيفديني في مقاطعة أوديسا.

بدوره، أشار وزير الزراعة الأوكراني ميكولا زولسكي، في بداية الشهر الجاري، إلى تفاؤل أوكرانيا وتطلعاتها لنجاح المبادرة الحالية لتصدير الحبوب عبر البحر الأسود على الرغم من الصعوبات الراهنة، بينما يحتاج أي خيار آخر إلى اتفاقية أو صيغة جديدة.

في ظل ذلك، يتعرض في الوقت الراهن الأمن الغذائي للبلدان التي تعتمد على المنتجات الزراعية الأوكرانية للخطر، خاصة في ظل معاناة دول جنوب الكرة الأرضية من نقص وتراجع إمدادات الغذاء، وتوقعت «الفاو» في تقريرها الشهري أن يبلغ الإنتاج العالمي من الحبوب هذا العام 2.813 مليار طن، بزيادة 1.0 في المئة على العام الماضي، كما رجحت انخفاض محاصيل القمح والشعير إلى ما دون مستوياتها في العام الماضي.