في خطوة تُعد محورية لدعم الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على الاستيراد، أعلنت الحكومة العراقية عن بدء التشغيل التجريبي لمنشأة جديدة للحديد والصلب في مدينة البصرة، بطاقة إنتاجية تصل إلى 350 ألف طن سنوياً.
يأتي المشروع كجزء من جهود متواصلة لإعادة بناء قطاع الحديد في العراق، الذي تعرض للعديد من التحديات على مدار السنوات الماضية، بما في ذلك آثار الحروب والصراعات، إلى جانب الأزمة الأوكرانية التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد.
تأثير الحرب الأوكرانية على صناعة الحديد
لا يمكن الحديث عن هذا المشروع دون الإشارة إلى التأثيرات الكبيرة التي خلفتها الأزمة الأوكرانية الروسية على العراق، خاصة فيما يتعلق باستيراد الحديد.
وأوضح رئيس هيئة استثمار محافظة البصرة، علاء عبدالحسين سلمان في تصريحات لـCNN الاقتصادية أن هذه الأزمة زادت من الحاجة الملحة لوجود بدائل محلية قادرة على تلبية احتياجات السوق العراقية.
وقال سلمان، «هذا المشروع يمثل خطوة كبيرة نحو تقليل اعتمادنا على الاستيراد، خصوصاً في ظل الظروف الدولية الراهنة».
المصنع الذي أقيم بتكلفة 54 مليون دولار في مرحلته الأولى، يمتد على مساحة 160 دونماً ويضم ستة أفران تعمل بالحث الكهربائي استقدمت من الولايات المتحدة وإيطاليا.
ويؤكد سلمان أن المصنع «سيسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق العراقية بشكل عام ومحافظة البصرة بشكل خاص، مع وجود مصانع أخرى مشابهة سيتم تشغيلها قريباً بهدف الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي».
تحديات صناعة الحديد في العراق
رغم التفاؤل الذي يصاحب هذا المشروع الجديد، فإن التحديات التي تواجه صناعة الحديد في العراق لا تزال كبيرة، فالبنى التحتية للمصانع والمعامل القديمة تضررت بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، وتحتاج إلى تمويلات ضخمة وتكنولوجيا متقدمة لمواكبة التطور.
ومع ذلك، تسعى الحكومة ووزارة الصناعة إلى إعادة إحياء هذه الصناعة عبر تشجيع الاستثمارات المحلية والدولية، وتقديم التسهيلات للشركات الراغبة في الدخول إلى السوق العراقية.
ومن جانبها، أكدت عضو مجلس المحافظة، أطياف التميمي، خلال مؤتمر صحفي أن «المجلس يعمل على وضع خطة لتعزيز الاستثمار في العراق وتوفير بيئة آمنة للمستثمرين، كما يهدف إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير فرص عمل جديدة للعراقيين».
وأضاف مدير المعمل ياسر العبدلي، أن «إنشاء المشروع بدأ في عام 2021، مع استقطاب شركات ذات سمعة عالمية في صناعة الحديد والصلب»، مشيراً إلى أن «المعمل سيقوم بإنتاج حديد التسليح بأحجام تتراوح بين 10 ملم و32 ملم، مع وجود خطط لإضافة خطوط إنتاج جديدة للبراغي والمسامير في المستقبل».
وفي هذا السياق، كان قد أكد وزير الصناعة والمعادن العراقي خالد بتال النجم خلال افتتاح مصنع الصبّ المستمر في العاصمة بغداد في مايو أن العراق لا يمتلك خامات حديد صالحة للإنتاج وأن الاعتماد حالياً يكون على المستورد.
وأضاف الوزير أن «صناعة الحديد صناعة أساسية لأي تنمية اقتصادية»، مشيراً إلى أن «العراق لا يملك خامات حديدية صالحة لصناعة الحديد، وما نمتلكه من خامات هي في منطقة الحسينيات في غرب العراق، ونقاوتها لا تصل إلى أكثر من 30 في المئة، بينما نحتاج إلى أكثر من 60 إلى 70 في المئة لإنتاج الحديد الإسفنجي».
وأوضح أن خطة الوزارة هي توفير المادة الأولية من خلال السكراب الموجود والمستدام.
ومن المتوقع أن يسهم المشروع الجديد بشكل كبير في تحسين وضع السوق المحلي، إذ ستقل الحاجة إلى استيراد الحديد من الخارج، ما سيسهم في استقرار الأسعار وتلبية الطلب المتزايد على هذا المنتج الضروري.
وقال سلمان، «العراق يشهد نهضة عمرانية كبيرة، وهذا المشروع سيغطي نسبة كبيرة من النقص في السوق نتيجة الأزمة الأوكرانية، وهدفنا الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي».