يتنافس صانعو السيارات الكهربائية الصينيون في حلبة معرض السيارات الصيني في بكين، اليوم الخميس، مبرزين أحدث منتجاتهم التي وصل بعضها إلى القمة عالمياً لينافس شركات عملاقة مثل تسلا الأميركية.
وعلى الرغم من الدعم السخي الذي تتلقاه من الحكومة الصينية فإن جميع الشركات المصنعة للمركبات الكهربائية في البلاد، والتي يزيد عددها على 200 شركة، تواجه اليوم فائضاً كبيراً في العرض، ويتوقع الخبراء أن العديد من الشركات الصغيرة لن تنجو من البيئة التنافسية الشديدة.
فبدءاً بحرب الأسعار ووصولاً إلى تباطؤ المبيعات في ظل اقتصاد ضعيف، أجبرت هذه التحديات بعض شركات صناعة السيارات العالمية على التراجع. وتضاءل الحماس للمركبات الكهربائية في أسواق عدة حول العالم.
حتّى إن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية، أكبر مخطط اقتصادي في البلاد، عبّرت يوم الاثنين عن حدة المنافسة في هذه السوق قائلة «المنافسة في صناعة مركبات الطاقة الجديدة ستكون شرسة للغاية في عام 2024».
وبالفعل، اختفت حتى الآن أكثر من 12 شركة صينية من سوق المركبات الكهربائية العام الماضي، من بينها علامات تجارية شهيرة للسيارات الكهربائية، مثل دبليوإم موتور (WM Motor)، وبايتون (Byton)، وآيوايز (Aiways)، وليفديو (Levdeo).
كما اضطرت بعض شركات صناعة السيارات العالمية أيضاً إلى إعادة هيكلة أعمالها أو إغلاق عملياتها، وفي أكتوبر تشرين الأول أعلنت شركة ميتسوبيشي موتورز أنها ستنهي إنتاج سياراتها في مشروعها المشترك في الصين، واتخذت شركات هوندا وهيونداي وفورد قرارات جذرية، بما في ذلك تسريح العمال وبيع المصانع، لخفض التكاليف، وفقاً لإيداعات البورصة وتقارير وسائل الإعلام الحكومية الصينية.
وبحسب توقعات ريتشارد يو، الرئيس التنفيذي لقسم الأعمال الاستهلاكية في هواوي، فلن يكون في الصين أكثر من 4 لاعبين رئيسيين في مجال السيارات الكهربائية بحلول عام 2030.
إذاً ما المطبات التي تعرقل اللاعبين المحليين والأجانب على حد سواء، وما الذي ينتظر صانعي السيارات الكهربائية في الصين؟
حرب أسعار ضارية
بدأت حرب الأسعار في أكتوبر تشرين الأول عام 2022، عندما خفضت شركة تسلا أسعار سياراتها من الطراز 3 والطراز Y في الصين بنسبة تصل إلى 9 في المئة، وبعد ثلاثة أشهر قامت بتخفيض أسعار سياراتها مرة أخرى، ما أدّى إلى موجة من تخفيضات الأسعار التي اجتاحت صناعة السيارات في الصين العام الماضي، بما في ذلك السيارات التي تعمل بالبنزين.
وفي هذا الأسبوع، خفضت تسلا مرة أخرى الأسعار المبدئية لأربعة طُرز يتم بيعها في الصين، أكبر سوق لها في الخارج، بمقدار 14 ألف يوان (1932 دولاراً)، وحذت حذوها على الفور شركتا شيبنغ (Xpeng) ولي أوتو (Li Auto)، أسرع ماركات السيارات نمواً في الصين، حيث قدمتا خصومات كبيرة أو إعانات بقيمة عشرات الملايين من الدولارات لجذب المشترين.
ولقد أدّى تخفيض الأسعار إلى تقليص الربحية، وفي عام 2023 انخفض متوسط هامش الربح لصناعة السيارات في الصين إلى 5 في المئة، وهو أدنى مستوى خلال عقد من الزمن على الأقل، وفقاً لبيانات من الجمعية الصينية لمصنعي السيارات (CAAM).
طفرة في عدد اللاعبين
تعد سوق السيارات الكهربائية في الصين سوقاً مشبعة، وتتوقع اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية إطلاق أكثر من 110 طرازات جديدة من سيارات الطاقة الجديدة هذا العام، ما سيزيد من تدفق المركبات الكهربائية إلى السوق.
ففي هذا العام وحده، تخطط كل من شركة بي واي دي وآيتو (Aito) التابعة لشركة هواوي (Huawei) ولي أوتو (Li Auto) لزيادة عمليات التسليم بمقدار 2.3 مليون مركبة، وفقاً للهيئة. وبحسب توقعاتها، سيرتفع الطلب الإجمالي في السوق بمقدار 2.1 مليون سيارة فقط.
وعلى الرغم من هذا الاكتظاظ، لا تزال السوق تشهد توافد شركات جديدة تطمح للتربع على عرشها.
ففي الشهر الماضي، أطلقت شركة شاومي الصينية، المعروفة بهواتفها الذكية، سيارتها الكهربائية SU7 سيدان، وقال رئيسها التنفيذي لاي جون (Lei Jun) إنه يريد منافسة تسلا وبورشه مع السيارة الفاخرة الجديدة التي طُرحت في الأسواق بسعر يبدأ من 215,900 يوان فقط (29,794 دولاراً).
وفي نوفمبر تشرين الثاني الماضي، أعلنت شركة مايزو الصينية (Meizu)، وهي شركة مصنعة للهواتف الذكية، أنها ستتعاون مع جيلي أوتو (Geely Auto) لإطلاق أول سيارة كهربائية لها، مايزو دريم كار إم إكس (Meizu DreamCar MX)، في عام 2024.
وفي الشهر نفسه، أطلقت هواوي أول سيارة سيدان كهربائية لها، لوكسيد إس 7 (Luxeed S7)، والتي تم تطويرها بالاشتراك مع شيري أوتو (Chery Auto) بهدف منافسة طراز إس (Model S) من تسلا.
وتوقعت الجمعية الصينية لمصنعي السيارات أن يصل إجمالي مبيعات سيارات الركاب في البلاد إلى نحو 26.8 مليون سيارة لعام 2024، في حين أن أهداف المبيعات المجمعة من قبل الشركات المصنعة الكبرى وصلت حتى الآن إلى ما يقرب من 30 مليون وحدة.
ويعني هذا الفائض في العرض أن الشركات بحاجة إلى تسريع مبيعاتها، بما في ذلك عن طريق زيادة الصادرات، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع الشركاء التجاريين الرئيسيين.
وفي الوقت نفسه، في حال لم تقم الشركات باتخاذ هذه الإجراءات، قد تتعرض لمشكلات في التدفق النقدي.
ولن تقتصر الصعوبات على اللاعبين الصينيين؛ فالمعركة ستصبح أكثر احتداماً بالنسبة للاعبين الأجانب.
ونرى هذا بوضوح في المعركة بين تسلا وبي واي دي، إذ انتزعت بي واي دي العرش من تسلا لفترة وجيزة باعتبارها العلامة التجارية الأكثر مبيعاً للسيارات الكهربائية في العالم في الربع الرابع من العام الماضي.
وممّا لا شك فيه أن الفرق الكبير في الأسعار بين سيارات الشركتين كان له دور كبير في انتصار بي واي دي المؤقت، إذ تُباع السيارة البدائية من بي واي دي في الصين بأقل بقليل من 10 آلاف دولار، في المقابل تبلغ تكلفة طراز 3 من تسلا، وهو أرخص طُرزها، حالياً ما لا يقل عن 231,900 يوان (32,002 دولار) بعد تخفيض الأسعار الأخير.
البقاء للأقوى
ومع اشتداد المنافسة، فإن العديد من شركات صناعة السيارات سوف تنهار في الأشهر المقبلة، وفقاً للرؤساء التنفيذيين لشركات السيارات الكهربائية الصينية.
وقال غان جيايو، الرئيس التنفيذي لشركة جيلي أوتو، خلال مؤتمر أرباح الشركة في مارس آذار «مع دخول عام 2024، ستبدأ الجولة النهائية لصناعة السيارات في الصين بطريقة شاملة، وستدخل الصناعة فترة من الدمج».
كما توقع وانغ تشوانفو رئيس شركة بي واي دي، في مارس آذار، بدء «جولة تصفية وحشية»، وقال في منتدى في بكين «دخلت صناعة السيارات الكهربائية في الصين مرحلة التكيف الدوري بعد عقدين من النمو».
وإذا تم بالفعل دمج عدة شركات مع بعضها، فهذا يعني القضاء على المزيد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
ووفقاً لما قاله يين تونجيو، رئيس شركة شيري أوتو، فإن صانعي السيارات الكهربائية يدخلون في «سباق الحياة والموت».
وعلى الرغم من جميع العقبات التي ذُكرت، ما زال هناك أمل للاعبين الذين بقوا على قيد الحياة، فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تصل حصة السيارات الكهربائية في السوق إلى 45 في المئة في الصين، مدعومة بالمنافسة بين الشركات المصنعة، وانخفاض أسعار البطاريات والسيارات والدعم السياسي المستمر.