رغم أن دعوات البرازيل و روسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا لإنشاء عملة البريكس المشتركة لا تزال في مهدها، فإن ظهور هذه المحاولات داخل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أصبح يثير التساؤل حول مدى التهديد الذي تمثله العملة المقترحة على هيمنة الدولار الأميركي في المنطقة.

وتعليقاً على ذلك، قالت ياسمين غزي خبيرة اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى (إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس) لـ«CNN الاقتصادية»، «هناك رغبة متزايدة لدى بعض الدول الكبرى أمثال مصر والجزائر للخروج من عباءة النظام الدولي الحالي وإقامة نظام دولي جديد أكثر توازناً وعدلاً من وجهة نظرها».

وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يونيو حزيران الماضي أن دول البريكس تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة العملات للدول الأعضاء فيها، فيما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في يناير كانون الثاني إن المسألة ستناقش في قمة جنوب إفريقيا في نهاية أغسطس آب 2023، بحسب وكالة (تاس).

ما هو البريكس؟

ظهر مصطلح (بريكس) لأول مرة عام 2001، عندما نشر جيم أونيل الاقتصادي لدى بنك (غولدمان ساكس) تقريراً بعنوان «بريك: بناء اقتصاد عالمي أفضل»، صائغاً اختصاراً للبلدان الأربعة التي ستُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي: البرازيل وروسيا والهند والصين.

كانت الصين تمثّل آنذاك نصف الناتج المحلي الإجمالي الأصلي للكتلة المكونة من أربع دول، قبل انضمام جنوب إفريقيا عام 2010، ليتحول التحالف إلى (بريكس).

عملة البريكس

وتأسس بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة (البريكس) عام 2014، بموجب اتفاقية وُقعت خلال القمة السنوية السادسة في فورتاليزا بالبرازيل، بهدف دعم مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في دول «البريكس» وغيرها من الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

ومع ذلك، لم يتحول التحالف إلى قوة تنافس الدول الغربية وحلفاءها حتى الآن، ويواجه عقبات تشمل الهيمنة الكبيرة للصين على المجموعة والشراكات الاقتصادية لبعض أعضائها مع الغرب.

وبينما كان الأداء الاقتصادي لروسيا هو الأضعف بين دول (بريكس) الخمس العام الماضي، كافحت البرازيل وجنوب إفريقيا للازدهار في ظل تسارع معدلات التضخم.

ما هي عملة البريكس؟

نظراً لأن الدولار الأميركي هو العملة الرئيسية في العالم والتجارة الدولية، يحاول تحالف البريكس تغيير ذلك من خلال إنشاء عملة مشتركة تنافس هيمنة الدولار على التجارة العالمية.

ودعت البرازيل وروسيا، دول البريكس إلى إنشاء عملة مشتركة يطلق عليها (عملة البريكس) لاستخدامها في التعاملات التجارية والاستثمارية المشتركة بين دول البريكس، كوسيلة للحد من تعرضها لتقلبات أسعار صرف الدولار.

ومع ذلك، لا يزال يهيمن الدولار على التجارة العالمية، إذ تستحوذ العملة الأميركية على نحو 90 في المئة من معاملات الفوركس العالمية، وفقاً لبيانات بنك التسويات الدولية، بينما تسيطر على أكثر من 61 في المئة من احتياطيات دول العالم من العملات الأجنبية.

وأشار الاقتصاديون الذين تحدثوا إلى «CNN الاقتصادية» إلى الصعوبات التي يواجهها حلم عملة البريكس، نظراً للفوارق الاقتصادية والسياسية والجغرافية بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.

التوسع في الشرق الأوسط

تحاول الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بناء نفوذ دبلوماسي لمواجهة هيمنة الدول المتقدمة في الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي على الاقتصاد العالمي، وتقود بكين دول (البريكس) نحو التوسع في الشرق الأوسط وتعزيز التبادل التجاري غير القائم على الدولار الأميركي.

وانضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد التابع للتحالف رسمياً في نهاية مارس آذار 2023، بعد تصديق الرئيس عبدالفتاح السيسي على وثيقة الانضمام التي نشرتها الصحيفة الرسمية للبلاد.

وكان البنك، الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار، وافق على قبول مصر عضواً جديداً في اجتماعات ديسمبر كانون الأول 2021، ضمن التوسعة الأولى لنطاق انتشار البنك عالمياً.

وسبقت مصر ثلاث بلدان انضمت إلى البنك التابع للبريكس في أواخر عام 2021، وهي الإمارات العربية المتحدة، وبنغلاديش، وأوروغواي.

وتقدمت إيران والجزائر أيضاً بطلب للعضوية، كما أبدت السعودية وسوريا -من بين دول أخرى- رغبتهما في الانضمام إلى التكتل، وتعتزم مجموعة دول البريكس أن تقرر هذا العام ما إذا كانت ستقبل أعضاء جدداً وما المعايير التي سيتعين عليهم تلبيتها.

كيف تستفيد دول الشرق الأوسط من حلم البريكس؟

تسعى الدول الخمس التي تكوّن تحالف (البريكس) إلى القضاء على هيمنة الدولار في التبادلات التجارية الدولية، ما قد يفيد بشكل خاص دول الشرق الأوسط التي تتسم بتعاملاتها التجارية الضخمة مع روسيا والصين، ومن بينها مصر.

ووافق البنك المركزي الروسي في بداية عام 2023 على اعتماد الجنيه المصري، والدرهم الإماراتي، والريال القطري ضمن العملات المقبولة في التبادل التجاري مع موسكو.

وقالت ياسمين غزي لـ«CNN الاقتصادية»، «رغم أن واردات مصر من الصين وروسيا أعلى بكثير من وارداتها من الولايات المتحدة، فإن هناك مشكلة في حصول البلاد على الروبل واليوان»، وهو ما قد يقل تدريجياً بسبب الاتفاقيات التجارية مع دول (البريكس) المتوقعة مستقبلاً.

وأوضحت ياسمين أن الجنيه المصري ليس مرتبطاً بالدولار مثل عملات الخليج مثلاً أو بعض عملات دول أميركا الوسطى والجنوبية، وبالتالي لا مانع من استخدام عملات أخرى، فمثلاً تقبل قناة السويس الدفع بعدة عملات، ولا تشترط على السفن العابرة الدفع بالدولار، وقد بدأت مؤخراً في قبول الدفع باليوان الصيني.

ومع ذلك أضافت «في رأينا لا نعتبر أن هذا هو نهاية الدولار الأميركي أو حتى النظام العالمي الحالي، ولكن لا شك في أن هذه المحاولات تتسارع في الآونة الأخيرة».