يوماً بعد يوم، يزيد وعي معظم الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط بالآثار الإيجابية المترتّبة على تبني نموذج عمل يوازن بين الجنسين، قد أسفر ذلك عن موجة تحوّل كبيرة خاضتها هذه الشركات نحو تبني هذا النموذج، في الواقع كشف أحدث استبيان رأي أجرته شركة برايس ووترهاوس كوبرز الشرق الأوسط حول الإناث في أسواق العمل أنّ الشمول بين الجنسين في بيئات العمل يسهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي الوطني لبلدان المنطقة بنسبة 57%، ما يعادل تريليوني دولار أميركي، علماً بأنّ نسبة الإناث من خريجي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الشرق الأوسط تتراوح بين 34% و54%.

ولعلّ أفضل مثال يُطرح في هذا السياق هو دولة الإمارات العربية المتحدة التي شرعت بشكل استباقي في تعزيز التشريعات الوطنية الهادفة إلى تنويع اقتصادها، سعياً منها إلى ردم الفجوة بين الجنسين في بيئات العمل، أيضاً أطلق مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين في هذا الصدد مؤخراً استراتيجية التوازن بين الجنسين لدولة الإمارات 2026، والتي تهدف بدورها إلى سد الفجوة في التوازن بين الجنسين عبر 4 ركائز استراتيجية رئيسية، ألا وهي: المشاركة الاقتصادية وريادة الأعمال والشمول المالي، والرفاهية وجودة الحياة، والحماية، والقيادة والشراكات العالمية، تعتبر هذه الجهود جديرة بالثناء وخطوة في الاتجاه الصحيح على كلا القطاعين الخاص والعام، وذلك بتكثيف جهودهما لضمان أن تصبح هذه الخطوات معياراً معتمداً، لا سيّما أنّها تسهم في تعزيز إنتاجية الشركة وربحيتها.

على نحو آخر، يتيح تبني الشركات الإقليمية نموذج عمل يوازن بين الجنسين الاستفادة من اقتصاديات الحجم، لا سيّما في ظل تزايد عدد الإناث والقيادة النسائية في أسواق العمل، فحسبما كشفت دراسة داخلية شاملة أجرتها سوديكسو وشملت 50,000 مدير لديها، تتمتّع الشركات التي تولي الأهمية للتوازن بين الجنسين بأفضلية تفوّق على نظيراتها عبر شتّى المقاييس الرئيسية، بما في ذلك هوامش التشغيل، والاحتفاظ بالموظفين والعملاء، ومشاركة الموظفين، والسلامة.

تعزيز عمليات صنع القرارات

تكمن إحدى المزايا الأكثر إقناعاً لتبني نموذج عمل يوازن بين الجنسين في التنوع المعرفي الذي يعززه هذا النموذج، لا سيّما أنّ تبنّي وجهات النظر والخبرات والمهارات المتنوعة من كلا الموظفين الذكور والإناث على حدّ سواء يسمح للشركات باتخاذ قرارات مستنيرة وشاملة، بمعنى آخر فإنّ تبنّي نموذج عمل يوازن بين الجنسين لا يغذّي الابتكار في الشركات فحسب، بل ويزرع فيها بذور قرارات أكثر شمولاً، ما يسفر بالتالي عن ثقافة عمل متكافئة الفرص، تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ سوديكسو لا تحاضر في هذا الشأن فحسب، بل تطبقه بين كوادرها بالفعل، إذ تتمتع سوديكسو بفريق قيادي متنوع بالفعل، 40% منه من الإناث، في الواقع فإنّ مديرتنا التنفيذية امرأة، هذا ويعتمد مجلسنا الاستشاري العالمي، “So Together“، على الشبكات الاجتماعية المحلية المعنية بشؤون قضايا التوازن بين الجنسين لفهم التحديات التي تواجه الإناث في مكان العمل بشكل أفضل، ويوفر فرص الإرشاد والتوجيه للمديرات ذات الإمكانيات العالية، كما تزدهر الشبكة على مبدأ الحلفاء، حيث يلعب الرجال دوراً كبيراً، أيضاً تعد الدورات التدريبية لجميع القادة والمديرين حول مكافحة التحيز اللاواعي جزءاً أساسياً من مجموعة أدوات التنمية والتعويضات الخاصة بشركة سوديكسو.

تعزيز الأداء المالي

يجهل الكثيرون العلاقة الوثيقة بين التنوع بين الجنسين في القيادة وتحسين الأداء المالي، ببساطة متى ما كسرت الشركات الحواجز بين الجنسين وعززت الشمول والازدهار في بيئات عملها، حازت قدرات فائقة لحل المشكلات، ودفع الابتكار، ورعاية الإبداع، وزيادة الإنتاجية، بالعودة إلى الدراسة الداخلية التي أجرتها سوديكسو تبيّن أنّ الفرق ذات التركيبة الجنسية المتوازنة (40:60) قد أسهمت في زيادة ملحوظة بنسبة تفوق 8% في هوامش التشغيل، علاوة على ذلك كشفت الدراسة أن التنوع بين الجنسين يؤثر بشكل إيجابي على رضا العملاء، حيث إن القوى العاملة المتوازنة مجهزة بشكل أفضل لفهم الاحتياجات المتنوعة للعملاء وتلبيتها.

تعزيز الثقافة التنظيمية

يوفر نموذج العمل المتوازن بين الجنسين ثقافة تنظيمية إيجابية، ما يعزّز الاحترام والمساواة ضمن الشركات، هذا وتتمتّع الشركات في الشرق الأوسط بفرص لاستقطاب أفضل المواهب والاحتفاظ بها، بما في ذلك النساء ذوات المهارات العالية والطموحات، وذلك لمجرّد مساواتها بين الجنسين، كذلك يسفر توظيف قوى عاملة متنوعة في تحسين مشاركة الموظفين وتحفيزهم وتعزيز رضاهم الوظيفي بشكل عام، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى ترسيخ ولائهم وتخفيض معدلات تبديل الموظفين. فعلى سبيل المثال، يقدم برنامج «روح الشمول» للمديرين وكبار أعضاء الفريق ورش عمل لتطوير الأفكار وخطط العمل التي من شأنها خلق بيئة عمل شاملة، من الأمثلة الحية على إحدى هذه الخطط والأفكار برنامج «فيتا باي سوديكسو» الذي يقدّم لموظّفي الشركة إجازة أمومة/أبوّة مدفوعة مدتها 14 أسبوعاً كحد أدنى لمقدمي الرعاية الأساسيين، وأسبوعي إجازة مدفوعين كحد أدنى لمقدمي الرعاية الثانويين، ناهيك عن مزايا التأمين وغيرها.

وفي يومنا هذا، لم تعد الحكومات والشركات حول العالم غافلة عن حاجة الموظفين المتزايدة للموازنة بين الحياة العملية والحياة الشخصية، لا سيّما أنّهم باتوا يبحثون عن وظائف بدوامات مرنة ويولون أهمية قصوى لصحتهم النفسية والعقلية، أيضاً قد دفعت هذه الحاجة الكثير من القطاعات العامة والخاصة إلى الانتقال نحو تطبيق مزايا الإجازات المدفوعة للقوى العاملة أو زيادتها حتّى، إذ أفادت منظمة العمل الدولية بأن 178 دولة من أصل 195 قد قامت بالفعل بتحديث تشريعاتها المتعلقة بإجازة الأمومة/الأبوة، في هذا الإطار يتعيّن على الشركات في الشرق الأوسط تبني هذا الاتجاه العالمي من خلال تنفيذ سياسات شاملة لإجازة الأمومة والأبوة إذا ما أرادت استقطاب المواهب الأفضل والاحتفاظ بها.

كذلك أفاد تقرير اتجاهات التوظيف العالمية للشباب 2022: تقرير الدول العربية، الصادر عن منظمة العمل الدولية، بأنّ نسبة الإناث العاملات في الوطن العربي تبلغ 19% فقط من إجمالي نسبة العاملين، ففي حين تمكّنت الإناث في المنطقة من التقدّم في مسيرتهن التعليمية، لم تحرزن أي تقدّم على المستوى المهني، الأغرب في الموضوع أنّ معدل البطالة بين الشابات في الدول العربية يبلغ 42.5%، أي ما يقرب من ضعف معدل البطالة لدى الشباب (21.4%) ونحو ثلاثة أضعاف المتوسط ​​العالمي البالغ 14.9%.

في الخلاصة، لا بدّ للشركات أن تولي الأهمية القصوى لحملات التوظيف، إذ ستظفر من خلالها بمجموعة من المواهب المميزة وستحظى بفرصة التفاعل مع الفرق الحالية لتعزيز مهارات الموظفين وتدريبهم، أمّا نحن في سوديكسو فنؤمن بضرورة توفير الدعم والتحفيز لموظفينا، وقد قمنا في هذا الصدد بتطوير برامج التدريب الداخلي والتظليل الوظيفي، كبرنامج ‘She Works’ على سبيل المثال، وذلك سعياً منّا لدعم المرأة في المجتمع في رحلتها عبر مختلف فرص العمل المتاحة، وبالتالي تحسين الكفاءة العامة والرفاهية في العمل.

*كولم أوماهوني الرئيس التنفيذي لشركة سوديكسو في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا منذ ديسمبر 2021. في السابق شغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة خدمات سوديكسو للتعليم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث لعب دوراً أساسياً في تأسيس الشركة الرائدة في السوق على مستوى المدارس والجامعات الخاصة في مجموعة من الدول في جميع أنحاء المنطقة.

** الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».