الظروف الاقتصادية المواتية التي تشهدها المملكة المتحدة توفر فرصاً واعدة للمستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي الراغبين بتنويع محافظهم الاستثمارية ورفدها بأصول عقارية مربحة ومولدة للإيرادات.
أصبحت العقارات العالمية من الأصول الهامة للتحوط ضد التضخم ولتحقيق الاستقرار والتدفق النقدي، فهي تسهم في تنويع المحافظ الاستثمارية وتحقيق التوازن بين المخاطر والعائدات، لا سيما في ظل تقلب المؤشرات المالية وأسواق السندات، والاضطرابات الجيوسياسية التي تشهدها مناطق مختلفة في العالم.
وقد خلقت الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها حالياً المملكة المتحدة فرصاً كبيرة للعديد من المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي الراغبين بالاستفادة من العقارات التجارية المتوفرة حالياً والتي تمتاز بعائدات إيجارية تنافسية.
وبالرغم من حالة عدم اليقين التي تشوب اقتصاد المملكة المتحدة، فإنّ التحليلات الصادرة عن بنك لندن والشرق الأوسط تقدر أن تبلغ استثمارات المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي 3.2 مليار دولار في القطاع العقاري في المملكة المتحدة خلال عام 2024.
وترجع هذه الرغبة في الاستثمار بعقارات المملكة المتحدة إلى عوامل مختلفة، مثل انخفاض أسعار الأصول، وأسعار الصرف الجذابة جراء انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني بشكل كبير منذ شهر يوليو 2023، حيث انخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار من 1.31 دولار إلى 1.21 دولار خلال ثلاثة أشهر فقط.
وأسهم هذا الانخفاض في تعزيز ثقة المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي بقطاع العقارات التجارية الذي بات يمتاز بأسعار مقبولة بشكل متزايد.
علاقات دبلوماسية تاريخية
بالرغم من التحديات التي يشهدها الاقتصاد البريطاني، فإن هناك العديد من العوامل التي تشجع المستثمرين من المنطقة على الاستثمار في قطاع العقارات البريطاني مثل اقتصاد السوق الحر والمنظم، والعلاقات الدبلوماسية التاريخية والاتفاقيات الثنائية التي تربط المملكة المتحدة بدول الخليج العربي.
كما أن أوجه التعاون المالي بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة تمتد إلى عقود طويلة ترجع لما قبل تأسيس عدد من دول المجلس.
ولطالما لعبت المملكة المتحدة دوراً هاماً في تطوير العديد من المراكز المالية في المنطقة، فقد حصل «البنك الشرقي» البريطاني على ترخيص مزاولة أعماله في البحرين عام 1918، ليعمل البنك فيما بعد تحت مسمى «ستاندرد تشارترد»، ويصبح من أكبر المؤسسات المالية العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي، كذلك يوجد بنك «إتش إس بي سي» البريطاني في دول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 1944.
ووصل حجم التجارة الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المتحدة مستوى قياسياً بلغ 40.88 مليار دولار في عام 2020 وحده، وتُجري المملكة حالياً مفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي لتوقيع اتفاقية تجارة حرة، حيث نظمت أحدث هذه النقاشات في شهر يوليو 2023، وجرى خلالها وضع مسودة الاتفاقية.
أسس أعمال راسخة
استناداً إلى العلاقات التجارية والدبلوماسية الوثيقة والطويلة التي تربط المنطقة بالمملكة المتحدة، فإن المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي على استعداد تام لاستكشاف الظروف الاقتصادية السائدة في المملكة المتحدة والاستفادة منها، لا سيما مع سعي العديد من مالكي العقارات لتصفية استثماراتهم نتيجة ارتفاع معدلات التضخم، وتزايد تكلفة الديون، وارتفاع الضرائب المحلية.
كما أن العديد من المؤسسات تواجه صعوبات فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها المالية سواء من حيث الاسترداد أو الحفاظ على مستوى كافٍ من النقد أو الأصول السائلة، فضلاً عن الضغوط التي تفرضها جهات الإقراض على المقترضين، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام المستثمرين الخليجيين للاستفادة من هذه الفرص الاستثنائية لتعزيز استثماراتهم في العقارات التجارية المرموقة المدرة للدخل في المملكة المتحدة وبأسعار تنافسية.
وباتت طموحات النمو هذه تحظى باهتمام كبير لدى العديد من المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لشركة الاستثمارات العقارية الرائدة «غرين ريدج» التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، والتي تتمتع بسجل حافل بالاستثمار في العقارات التجارية عالية الجودة، حيث نجحت الشركة في شهر أكتوبر بإغلاق جولة التمويل الأولى لصندوق «جرين ريدج» للشراكة المحدودة (GO) بقيمة بلغت 190 مليون دولار أميركي، وبهدف الاستحواذ على أصول تجارية عالية الجودة في المملكة المتحدة.
وقد شهد الصندوق إقبالاً كبيراً تجاوز خلاله قيمة رأس المال الأولي المستهدفة بنسبة كبيرة بلغت 46 في المئة، حيث بلغت إسهامات دول الخليج العربي أكثر من 80 في المئة من إجمالي رأس المال المُستثمر.
ما يعكس بشكل جلي ثقة المستثمرين الخليجيين بالقطاع العقاري في المملكة المتحدة، وبرزت هذه المشاركة بشكل لافت عبر الاستثمارات الهامة لعدد من الدول الخليجية الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر، ما يؤكد تواصل مسيرة التعاون المميزة لشركة جرين ريدج مع دول الخليج العربي والشرق الأوسط الأوسع والتي تمتد لعقدين من الزمن، ويبرز أهمية المنطقة لنجاح مساعي الشركة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال لمبادراتها المختلفة.
ويعد هذا النمو المتوقع فرصة هامة لكل من قطاع العقارات في المملكة المتحدة والمستثمرين في دول الخليج العربي، كما أن الحضور الراسخ لشركة «جرين ريدج» في دبي سيتيح لها الاستفادة من السوق العقارية في المملكة المتحدة وفهم توقعات ومتطلبات العملاء في دول الخليج العربي في الوقت ذاته.
وقد نجح صندوق الشركة الجديد في إنجاز أول صفقة عقارية له، ويسير حالياً على المسار الصحيح لإنجاز المزيد من الصفقات الأخرى.
اتجاهات مستقبلية
يمكن للمستثمرين الذين يتطلعون للاستفادة من الظروف الاقتصادية الحالية في المملكة تحقيق نمو كبير على المدى المتوسط، لا سيما مع تسارع وتيرة انتعاش الأنشطة الاقتصادية في المملكة، وعودة المستثمرين والكيانات المؤسسية للتعامل مع السوق. وخلافاً لجيرانها في الاتحاد الأوروبي (لا سيما ألمانيا، التي تعد الاقتصاد الأكبر في الاتحاد الأوروبي)، فقد نجحت المملكة المتحدة في تخطي مرحلة الركود حتى الآن.
كذلك قام «مكتب الإحصاءات الوطنية» بمراجعة تقديراته لحجم الاقتصاد البريطاني، مشيراً إلى أن الاقتصاد أصبح أكبر بنسبة 0.6 في المئة مقارنة بحجم الاقتصاد قبل الجائحة في الربع الأخير من عام 2021، وتمثل هذه الأخبار تراجعاً هاماً عن التقارير السابقة التي أكدت عدم عودة بريطانيا إلى مستويات نمو ما قبل الجائحة.
الاستثمارات المشتركة
مع تسارع وتيرة نمو اقتصاد المملكة المتحدة، يمكن للمستثمرين اعتماد العديد من الاستراتيجيات لدخول السوق العقارية في المملكة المتحدة، بما في ذلك الاتجاه الناشئ المتمثل في الاستثمار المشترك الذي يتيح للمستثمرين الحصول على حصة من الاستثمارات العقارية الكبيرة نسبياً، التي قد لا يمكنهم تحمل تكاليفها بأنفسهم، ومشاركة المخاطر أيضاً.
ويسمح هذا الاتجاه للمستثمرين الاستفادة من الاستثمارات العقارية التجارية دون الخوض في التعقيدات التي تتسم بها آلية الملكية الكاملة للأصول.
كما يساعد هذا النهج في ضمان المنافع المتبادلة للمستثمرين والكيانات الاستثمارية العقارية على حد سواء.
وبناء على العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الراسخة التي تربط بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، يعتبر الوقت الحالي مثالياً للمستثمرين الخليجيين الذين يرغبون بتقييم السوق العقارية في المملكة المتحدة، واغتنام الفرص الاستثمارية التي تفرزها الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي تشهدها هذه السوق.
* بيك بوتاني هو الشريك المؤسس لشركة جرين ريدج للاستثمارات العقارية. يتمتع بيك بخبرة تزيد عن 36 عامًا في مجال العقارات، حيث شارك في تأسيس شركة Greenridge في عام 1994. ويقود الجوانب الهيكلية والقانونية للصفقات.
**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».