تعني الاستدامة في سياق الرعاية الصحية تنظيم رعاية المرضى والعمليات الجراحية والتوزيع الطبي ومجالات التشخيص والبحث المرتبطة بها بطريقة لا تضر بموارد الأرض التي تمتلكها أجيالنا القادمة.
نحن بحاجة إلى تغيير النمط السائد من خلال الابتكارات لأننا بحاجة إلى أن نفهم أن الرعاية الصحية هي خدمة عملاقة مستنزِفة للموارد وتتطلب استهلاكاً عالياً للأراضي ورأس المال البشري والطاقة والموارد الطبيعية.
فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن قطاعات الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة وكندا تتسبب بانبعاث 748 مليون طن متري من الغازات الدفيئة سنوياً، وإذا كان أي من هذه القطاعات يمثل دولة، فإن هذه الدولة ستحتل المرتبة السابعة الأعلى في العالم من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة بحسب تقرير شبكة جاما، وهذا مجرد جانب واحد من قصة النفايات والحفاظ عليها.
وقطاع الرعاية الصحية يستهلك الطاقة والموارد بشكل هائل متمثلاً بانبعاث الإشعاعات في آلات التشخيص واستهلاك الطاقة الكهربائية وإنتاج النفايات العضوية وغير العضوية واستهلاك الوقود الأحفوري والعديد من الأمور الأخرى المشاركة في شبكة سلسلة التوريد الضخمة من المستشفيات والعيادات والصيدليات، وهو كيان تبدو فيه الاستدامة مجرد كلمة صغيرة لمواجهة كل ذلك.
ومع ذلك، فإن أولئك الذين يهتمون بكوكبنا والتأثير الاقتصادي والبيئي، كانوا يعملون خلف الكواليس في العقدين الماضيين لخلق تأثير مضاد، فقد شهد العالم اختراعات واكتشافات وتطبيقات عدة من التطورات المبتكرة في مجال الرعاية الصحية لتقليل البصمة الاقتصادية والبيئية والكربونية.
أهم التغييرات في مجال الرعاية الصحية
بعض أبرز الابتكارات المستخدمة بالفعل هي التطبيق الواسع النطاق للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي الذي لا يلعب دوراً وقائياً في الطب التنبؤي والوقائي فحسب، بل يعمل أيضاً على تبسيط المتغيرات الأخرى مثل إدارة الأَسِرَّة في المستشفيات والسجلات الطبية الإلكترونية وتنظيم العمليات الجراحية وصرف الأدوية بكفاءة.
وفي السنوات القليلة الماضية، كان إدخال طب النانو الذي يركز على الجزيئات العليا لتوفير علاج أكثر فاعلية للأمراض بمثابة مُبشّر بأخبار جيدة على جبهة العلاج، إذ إن القدرة على تقليل زيارة عدد كبير من المرضى إلى قسم العيادات الخارجية سيكون له تأثير كبير على انبعاثات الكربون حيث يمكنهم تجنب الذهاب إلى أطبائهم (العيادات الخارجية) أو إلى المستشفيات.
يعد التطبيب عن بعد أحد أكثر الابتكارات كفاءة، والتي لعبت دوراً في زيادة الاستشارات الطبية عن بعد، وقد أصبح هذا ممكناً من خلال تسخير قوة الواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء (IOT)، كما ساعد الواقع الافتراضي والرعاية الافتراضية العمليات الجراحية الروبوتية التي تمكن الجراحين المهرة من إجراء العمليات الجراحية عن بعد. ويضاف إلى ذلك أيضاً الطباعة ثلاثية الأبعاد التي لم تقتصر على الإنتاج الآلي للأدوية والأطراف الاصطناعية والأعضاء المزروعة بدقة كبيرة وبوتيرة مذهلة، وبالتالي فقد خفّضت التكلفة والطاقة المطلوبة في هذا القطاع الضخم.
وقد ساعد الانتهاء من رسم خرائط الجينوم البشري الرعاية الصحية على اكتساب نظرة ثاقبة حول أصل وتطور العديد من الأمراض وجعل العلاجات الشخصية ممكنة، ومن خلال تطبيق تكنولوجيا تحرير الجينات العنقودية المنتظمة والمتباعدة القصيرة المتناوبة (CRISPR)، أصبح بوسعنا الآن تطويع علاج الأمراض القاتلة مثل السرطان وغيره من الحالات الموروثة، وهذا من شأنه أن يساعد الرعاية الصحية على تقليل العبء العالمي للإنفاق على الأمراض بشكل تدريجي.
وعلى صعيد الطاقة النظيفة، تعمل العديد من المستشفيات الآن بنشاط على تسخير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح واستخدام الوقود الحيوي الذي يساعد في تقليل انبعاثات الكربون، وتحرير الجينات وترميز الجينوم البشري لمكافحة الأمراض الوراثية، على سبيل المثال لا الحصر، ما أحدث ثورة في الرعاية الصحية، وهذا ليس سوى غيض من فيض حيث تستمر الابتكارات في الوقت الحالي.
جهود متضافرة
ومع استمرار العالم في الانكماش وتحوله إلى قرية عالمية مدمجة، يتعين علينا أن نعترف بأن الرعاية الصحية تتجاوز الحدود الجغرافية، ويتعين علينا أن نسعى جاهدين لخلق توجه مضاد للانبعاثات والحد منها في هذا القطاع، تتكون الرعاية الصحية بشكل أساسي من محاربين مخلصين ينقذون البشرية ويحافظون عليها، ولا يمكننا أن نسمح بتحول المنقذين إلى مُدَمِّرين.
لذلك، تبدأ الاستدامة من هنا، كما يبدأ تعلم كيفية توسيع نطاق نموذج الرعاية الصحية ليلائم البشرية ويناسبها مع تقليل ما يتسبب به فيما يتعلق بموضوع الهدر والانبعاثات، وهذا هو السبيل الوحيد للمضي قدماً. دعونا نتكاتف جميعاً ونوحّد عقولنا للتغلب على التحدي الأكبر في عصرنا، ألا وهو الحفاظ على الصحة وإنقاذ الأرواح ولكن وبالوقت نفسه الحفاظ على الموارد والكوكب أيضاً.
* د. آزاد موبين مؤسس ورئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة أستر دي إم للرعاية الصحية (Aster DM Healthcare).
**الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية».