يسعى برنامج مشاريع المملكة العربية السعودية الكبرى، لتحويل المملكة إلى وجهة سياحية وترفيهية رائدة، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل خلال مختلف مراحل العمل، ويتضمن البرنامج سلسلة من المشاريع الاستثمارية السياحية والسكنية والتجارية والصناعية ومشاريع التجزئة في مناطق جغرافية متنوعة.

وارتفع إجمالي القيمة المتوقعة لتلك المشاريع، الممولة بشكل أساسي من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، إلى أكثر من 850 مليار دولار أميركي في عام 2023.

وتتميز هذه المشاريع العملاقة وواسعة النطاق بمستويات ابتكار عالية، ما يجعل الجهات المعنية في مواجهة مجموعة من المخاطر القانونية والتعاقدية، فيُظهر قطاع البناء والتشييد في المملكة وعياً متزايداً بضرورة اتباع أساليب تعاقد تعزز الجانب التعاوني، بما يضمن اكتمال تنفيذ المشاريع وتحقيق ربحية للجهات المعنية، بما في ذلك المقاولون والمطورون.

التحدي الأول.. التأخير وتجاوز التكاليف

تحظى المشاريع في الشرق الاوسط بسجل حافل من ناحية وجود البرامج المهمة وحالات تجاوز التكاليف على مستوى العالم، ومن المرجح ألّا تكون مشاريع السعودية العملاقة بمنأى عن تلك الحالات، فالمشاريع العديدة التي يتم تنفيذها بشكل متزامن حالياً تؤدي إلى نقص ملحوظ في القوى العاملة والمواد، الأمر الذي قد يتفاقم بسبب الاضطرابات غير المتوقعة الناجمة عن الأحداث الاقتصادية والسياسية.

ويجب على أصحاب العمل والمقاولين التحلي بالواقعية فيما يتعلق بجدولة المشروع منذ مراحله الأولى، وفي حال كان التأخير أمراً لا مفر منه ينبغي على الطرفين الالتزام مسبقاً بتنفيذ أحكام المطالبات التعاقدية وفق ما تقتضيه حسن النية.

وفي منطقة الشرق الأوسط، غالباً ما ينظر طرفا التعاقد إلى التنفيذ الفوري لتلك الأحكام المتعلقة بالوقت والتكاليف الإضافية على أنها إجراءات متشددة.. ويمكن للطرفين تحقيق إيجابيات تعود بالنفع على المشروع أيضاً في حال اتفقا على ضرورة تنفيذ أحكام المطالبات بوصفها آلية استباقية للتغلب على التحديات منذ البداية (بدلاً من السماح لها بالتفاقم والإضرار بالمشروع).

ويمكن أن تستفيد المشاريع الكبرى أيضاً من خيارات حل النزاعات التعاقدية السريعة، بما في ذلك الاعتماد على مجالس حل نزاعات مستقلة وتوصيات الخبراء (التي يتم إقرارها عادة في بداية المشروع)، بهدف تحديد منازعات الوقت والتكلفة بسرعة، إلى جانب ضمان الفاعلية من حيث التكلفة عند اكتمال المشروع، مما يعزز قدرة جميع الأطراف على مواجهة المخاطر الناشئة.

التحدي الثاني.. تغيير التصاميم

تكون مثل هذه المشاريع أكثر عرضة لتغيرات العمل من المشاريع الصغيرة، وذلك بسبب حجمها الكبير وتعقيدها، فضلاً عن استخدامها أحدث التقنيات ومدة تنفيذها الطويلة.

ويمثل التصميم غير المكتمل تحدياً واضحاً من ناحيتي الوقت والتكاليف، لذا يحاول مشروع عملاق تحقيق أقصى استفادة من الإمكانات التكنولوجيا الناشئة في اتجاهات متعددة ووقت واحد، مما يضمن للأطراف تقريباً استكشاف مشكلات التصميم والتنفيذ أثناء سير العمل، وتحتاج تلك الأطراف في المقام الأول إلى التأكد من أن عقودها تتضمن أحكاماً واضحة حول حالات التغيير، كما يجب على المقاولين الامتثال التام لأحكام الإخطار لتجنب منع مطالبات التغيير في المستقبل، فضلاً عن حاجة أصحاب العمل إلى وضع ميزانيات واقعية للمشاريع.

إلى جانب ذلك، ينبغي على الأطراف تخصيص مبالغ مناسبة للمشروع من الأموال المخصصة لحالات طوارئ بما يضمن توفير تكاليف تنفيذ التصميم المتوقعة على المدى المنظور، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من تصميم مفهوم مستقبلي يعتمد على تقنيات لم يتم اختبارها (ولكن يجب أن تكون جاهزة للاستخدام مع انتهاء تنفيذ المشروع).

وتبرز هنا الأهمية البالغة لتحديد الجهات التي تقع عليها المسؤولية النهائية عن تكاليف التصميم وتنفيذه، لا سيما عند اعتماد مفاهيم جديدة ومبتكرة.

التحدي الثالث.. عيوب تتعلق بأعمال المشروع

ينطوي تطبيق استراتيجية المشاريع «غير المسبوقة»، المتمثلة ببرج رايز تاور، (الذي يبلغ ارتفاعه 2 كيلومتر) في مدينة ذا نورث بول، على مخاطر تصميمية غير مسبوقة أيضاً (كالمخاطر الجيوتقنية، مثل خطر هبوط الهيكل بسبب وزن الهيكل الهائل؛ والتحميل الزلزالي وما ينجم عنه من مخاطر وأحداث جوية قاسية؛ واختيار المواد المناسبة، بما في ذلك الكسوة الخارجية، لتقليل مخاطر الحرائق).

وقد تزداد المخاطر الناتجة عن سوء تنفيذ الأعمال، مما يتسبب بظهور عيوب في الإنشاء، بسبب النقص في القوى العاملة المتمرسة والمبتدئة، إلى جانب الأطر الزمنية الطموحة لتسليم المشاريع.. وعند مواجهة مستوى مرتفع من التحديات، ينبغي العمل على تخفيف مخاطر العيوب عن طريق تطبيق آليات مراقبة الجودة في العقود، التي تتيح الكشف المبكر عن تلك العيوب، بما فيها أكثر آليات الإخطار والتفتيش والاختبار صرامة، مع تقدم الأعمال.

التحدي الرابع.. تغير القوانين والتشريعات

تشهد المملكة في الوقت الحالي طفرة تشريعية وسياسية تهدف إلى تعزيز اليقين القانوني، وبالتالي استقطاب الاستثمارات الأجنبية؛ ففي أواخر العام الماضي دخل كل من قانون الشركات وقانون الأحوال المدنية حيز التنفيذ، مع تعديلات ملزمة في إطارها العادي.

وإلى جانب هذه التغييرات المهمة، تعمل المشاريع العملاقة، بما في ذلك نيوم وشركة البحر الأحمر الدولية والعُلا، على تطوير لوائحها الخاصة، والتي تشمل حماية البيئة والتراث بما ينسجم مع أفضل الممارسات الدولية.

وتواجه المشاريع الكبرى، التي تتميز بنطاقات عمل واسعة وفترات إنجاز طويلة، مستوى متزايداً من مخاطر الآثار السلبية المحتملة بسبب تغيير القوانين، لأن المدة الطويلة تجعل المشروع عادة أكثر عرضة لتغيير اللوائح التنظيمية.

التحدي الخامس.. مخاطر اقتصادية وسياسية

قد تلجأ الجهات الحكومية إلى تغيير أولوياتها أو تضطر إلى التكيف مع تغير الظروف، كما قد يعاني المقاولون من ضغوط التضخم الناجمة عن ارتفاع تكاليف المواد، لا سيما عندما يفوق العرض الطلب، مما يفرض على المقاولين وأصحاب العمل توقع مخاطر الظروف المتغيرة بشكل استباقي، مع التركيز على الأحكام التعاقدية الخاصة بتعليق الأعمال وارتفاع الأسعار وحدوث ظروف قاهرة وإنهاء العمل وحل النزاعات، والتي سيتم الاعتماد عليها بشكل كبير في حال توقف أعمال المشروع أو إلغائها.

وتوفر هذه المشاريع فرصة فريدة للمبتكرين في قطاع البناء والتشييد تساعدهم على تجاوز هذه المخاطر وإدارتها بشكل استباقي، وذلك في ضوء رغبة المملكة المتنامية في تطوير المنهجيات وآليات التفكير التقليدية وتطبيق خطط تعزز الجانب التعاوني لحل النزاعات وتجنب حدوثها.

*ساشين كيرور، الشريك في شركة ريد سميث للمحاماة

*أليسون إسليك، المستشارة القانونية في شركة ريد سميث

** الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبر عن وجهة نظر «CNN الاقتصادية»