استيقظ البريطانيون على المزيد من الأخبار القاتمة بشأن التضخم يوم الثلاثاء، إذ أظهرت بيانات جديدة أن الأسعار في متاجر التجزئة البريطانية ترتفع بوتيرة قياسية، الأمر الذي جعل رئيس الوزراء ريشي سوناك يفكر في اتخاذ تدابير صارمة، بما في ذلك التحكم في الأسعار، لإبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة.
وارتفعت أسعار السلع، والمعروفة باسم «تضخم أسعار المتاجر»، بنسبة 9 في المئة خلال العام حتى مايو أيار، في أعلى مستوياتها منذ بدء تسجيل هذه البيانات عام 2005، وفقاً لاتحاد متاجر التجزئة البريطاني «بي آر سي»، وانخفض معدل تضخم أسعار الغذاء بشكل طفيف إلى 15.4 في المئة في مايو أيار، ولكنه لا يزال ثاني أعلى معدل على الإطلاق.
ساعد انخفاض أسعار الطاقة والسلع الأساسية في خفض أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الزبدة والحليب والفواكه والأسماك، وقالت الرئيس التنفيذي لاتحاد متاجر التجزئة البريطاني، هيلين ديكنسون، إن أسعار الشوكولاتة والقهوة آخذة في الارتفاع، مدفوعةً بارتفاع أسعار السلع عالمياً.
التحكم في أسعار المواد الغذائية سيريح المستهلكين قليلاً، لكنه سيزيد الضغط على سوناك، الذي وعد بخفض معدلات التضخم إلى النصف هذا العام، كأحد تعهداته الخمسة للناخبين.
ولعل الأسر الفقيرة هي الأكثر تضرراً لأنها تضطر لإنفاق المزيد من دخلها المتاح على الغذاء، إذ يستخدم عدد أكبر من المستهلكين بنوك الطعام في بريطانيا أكثر من أي وقت مضى، متجاوزين حتى ذروة الجائحة.
وسلمت «ذا تراسل تراست»، وهي أكبر شبكة بنوك طعام في بريطانيا، ما يقرب من 3 ملايين طرد غذائي طارئ على مدار العام الماضي حتى مارس آذار 2023، بزيادة قدرها 37 في المئة على العام السابق.
حتى بنك «إنجلترا»، المكلف بالحفاظ على معدل التضخم عند مستهدف 2 في المئة، فوجئ بارتفاع أسعار المواد الغذائية، بالرغم من أن ارتفاع الأسعار هو بالكاد ما وصل إليه بعد 12 ارتفاعاً متتالياً في أسعار الفائدة.
هل التحكم في أسعار السلع هو الحل؟
أصبحت أزمة التضخم في بريطانيا محتدمة لدرجة دفعت سوناك للتفكير في مطالبة تجار التجزئة بوضع سقفٍ لأسعار المواد الغذائية الأساسية، وهو ما حدث في السبعينيات، إذ فرضت الحكومتان الأميركية والبريطانية ضوابط على الأجور والأسعار لكبح جماح التضخم، على الرغم من أن السياسات لم تكن فعالة للغاية في خفض التضخم، وسرعان ما تخلت عنها مجدداً.
يقول اقتصاديون إن تحديد الأسعار يشجع الشركات على إنتاج كميات أقل من المنتجات، لكنه خيار جذاب للمستهلكين، لكنه يؤدي إلى انخفاض العرض مقابل ارتفاع الطلب، ولهذا فنقص المنتجات هو النتيجة الحتمية.
كتب كبير الاقتصاديين في «كابيتال إيكونوميكس» نيل شيرينج في مذكرة يوم الثلاثاء، أن ضوابط الأسعار تشوه الأسواق، ويجب استخدامها فقط «في الظروف القصوى»، وأضاف «صدمة أسعار الغذاء الحالية لا تبرر مثل هذا التدخل».
من جانبه، قال مدير الغذاء والاستدامة في اتحاد التجزئة البريطاني أندرو أوبي «انخفاض أسعار السلع الأساسية حالياً يتسبب في خلق العديد من التكاليف التي تبقي التضخم ذاته عالياً، وذلك بفعل فوضى اللوائح الجديدة الصادرة عن الحكومة». وتشمل قواعد أكثر صرامة بشأن إعادة التدوير وضوابط حدودية شاملة على الواردات الغذائية من الاتحاد الأوروبي، والمقرر تنفيذها بحلول نهاية هذا العام.
ووفقاً لمتحدث رسمي باسم الحكومة، فإن أي سقف للأسعار لن يكون إلزامياً، وقال المتحدث في بيان خاص لشبكة (CNN) «أي خططٍ تهدف لخفض أسعار المواد الغذائية للمستهلكين ستكون طوعياً ووفقاً لتقدير تجار التجزئة».
وأضاف المتحدث أن سوناك ووزير المالية جيريمي هانت «يجتمعان مع قطاع الغذاء لمعرفة ما يمكن القيام به أكثر».
بالنسبة لسوناك، فإن الضغط مستمر، خاصةً قبل الانتخابات العامة المتوقع إجراؤها العام المقبل، كان التضخم يزيد على 10 في المئة عندما وعد بخفضه إلى النصف في يناير كانون الثاني، وانخفض إلى 8.7 في المئة في أبريل نيسان، ولا يزال أعلى بكثير من المستهدف، ويتوقع بنك إنجلترا أن ينخفض إلى «نحو 5 في المئة» بحلول نهاية هذا العام، تاركاً هامشاً ضئيلاً لوقوع أي خطأ.
تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مسؤول عن نحو ثلث تضخم أسعار المواد الغذائية في المملكة المتحدة منذ عام 2019، وفقاً للباحثين في كلية لندن للاقتصاد.
كما أضافت الضوابط التنظيمية الجديدة والأخرى الحدودية ما يقرب من 7 مليارات جنيه استرليني، ما يعادل 8.7 مليار دولار أميركي، إلى فواتير البقالة محلياً في بريطانيا بين ديسمبر كانون الأول 2019 ومارس آذار 2023، أو 250 جنيهاً استرلينياً لكل أسرة، كما كتب الاقتصاديون في مركز الأداء الاقتصادي التابع لبورصة لندن في ورقة بحثية حديثة.
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 25 نقطة مئوية خلال هذه الفترة، وكان هذا المعدل ممكن أن يقل بمعدل ثماني نقاط مئوية إن لم تخرج بريطانيا من الاتحاد.
كما أصبحت واردات اللحوم والجبن من الاتحاد الأوروبي الآن خاضعة لـ«حواجز غير جمركية» عالية.
(هنا زيادي– CNN)