كان الاعتقاد السائد بين رؤساء الشركات الكُبرى والمستثمرين أن الاقتصاد الأميركي سيتجه إلى الركود خلال عام 2023؛ لأن الاحتياطي الفيدرالي يرفع الفائدة بسرعة كبيرة لكبح التضخم.
وتوقع العديد من الخبراء الاقتصاديين أن الشركات الأميركية ستسرح موظفيها بوتيرة أكبر، كما سيخفض المستهلكون الأميركيون الإنفاق بسبب معاناتهم مع التضخم.
وكان يبدو أن هذا الاعتقاد ينهار في الوقت الحالي، والسبب الرئيسي وراء ذلك، هو القوة الكبيرة لسوق العمل في الولايات المتحدة التي قد تمنع الاقتصاد من الانهيار.
سوق عمل مرن للغاية
تسارعت وتيرة التوظيف في أميركا على نحو غير متوقع مرة أخرى الشهر الماضي، إذ أضاف الاقتصاد 339 ألف وظيفة في مايو أيار، ما يمثل أكثر مما أضافه الاقتصاد الأميركي في أي شهر من عام 2019، وهو عام قوي للغاية بالنسبة لسوق العمل.
وقال كبير الاقتصاديين لدى «موديز أنالاتيكس»، مارك زاندي، لشبكة «CNN»، «هذا الاقتصاد مرن بشكل لا يصدق، رغم كل الصدمات، والأزمة المصرفية، ورغم أسعار الفائدة، وسقف الديون».
وأضاف «بالنظر إلى أرقام الوظائف، من الصعب رؤية ركود اقتصادي هذا العام»، مشيراً إلى أن الكثير من الاقتصاديين الذين توقعوا الركود يتراجعون الآن عن هذا الاعتقاد.
اتفق أستاذ الاقتصاد بجامعة ميتشيغان، جاستن ولفرس، مع هذا الرأي، وقال لشبكة «CNN» «نحن لسنا في حالة ركود، كان الناس يخبروننا أننا في حالة ركود خلال العامين الماضيين، لقد كانوا مخطئين»، مضيفاً «البيانات واضحة وضوح الشمس في هذا الشأن، لا يوجد ركود».
وتابع «لم نشهد قط ركوداً عندما كان سوق العمل يسير بهذه القوة، سيكون من العبث استخدام كلمة ركود في وقت نخلق فيه وظائف بهذا المعدل».
كما كتب كبير الاقتصاديين لدى «آر إس إم»، جو بروسولاس، في تقرير «طالما استمر الاقتصاد في إضافة أكثر من 200 ألف وظيفة شهرياً، فلن ينزلق ببساطة إلى الركود».
وجاء هذا التفاؤل الأخير بعد أشهر قليلة من تحذيرات « بنك أوف أميركا» من أن الوظائف ستبدأ في الانكماش في أوائل عام 2023، مع تراجع نحو 175 ألف وظيفة شهرياً خلال الربع الأول، واستمرار فقدان الوظائف خلال معظم العام.
المخاوف لا تزال تلوح في الأفق
ومع ذلك، لا يزال من الممكن حدوث شيء ما لتغيير هذا التفاؤل في الأشهر المقبلة، فهناك خطر كبير بحدوث ركود على المدى المتوسط، بالإضافة إلى أدلة متزايدة على أن المستهلكين يعانون بشدة بعد عامين من التضخم المرتفع.
ورغم قوة التوظيف في الولايات المتحدة، فإن سوق العمل يرسل إشارات متضاربة، وتقوم بعض الشركات بالفعل بإلغاء الوظائف، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والإعلام.
وبحسب مؤشر «تشالنجر» لتخفيض الوظائف، تضاعف عدد تخفيضات الوظائف المعلنة أربع مرات حتى الآن هذا العام.
المشكلة الأخرى هي أن تداعيات حرب الاحتياطي الفيدرالي مع التضخم تظهر على نحو بطيء، وهذا يعني أن التأثير الكامل لارتفاعات أسعار الفائدة ربما لم يظهر بعد.
وفي كل الأحوال يبدو أن سوق العمل القوي سيبقي الاقتصاد بعيداً عن الركود هذا العام، ولكن استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تشديد سياسته النقدية قد يفتح باباً لركود الاقتصاد في عام 2024 المقبل.
(مات إيجان- CNN).