يبدو أن معاناة الأوروبيين تتفاقم مع مرور الوقت، بينما تواصل الولايات المتحدة الأميركية تقدمها، مؤكدة مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم.

وتظهر البيانات والتقارير الاقتصادية الأخيرة، تزايد فجوة الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، مقارنةً بالولايات المتحدة، خاصة في السنوات الماضية، بعد عدد من الأزمات المتتالية التي ضربت الاقتصاد العالمي.

وكشفت بيانات صندوق النقد الدولي نمو اقتصاد منطقة اليورو بنحو ستة في المئة خلال الـ15 عاماً الماضية، مَقيساً بالدولار الأميركي، مقارنة بزيادة قدرها 82 في المئة للولايات المتحدة.

ولا يؤثر ذلك فقط على ترتيب دول العالم من حيث حجم اقتصادها، بل ينعكس أيضاً على مستوى المعيشة في القارة العجوز، حيث يتلاشى بريق الحياة سريعاً، بينما يزداد الأوروبيون فقراً، ويواجهون واقعاً اقتصادياً لم يشهدوه منذ عقود.

أزمات فارقة.. وضربات متتالية

طالما ضغط معدل شيخوخة السكان والإضرابات السياسية في المنطقة الأوروبية على النمو الاقتصادي هناك، وبعد سنوات من محاولة التعافي من الأزمة المالية لعام 2008، جاءت الضربة الثانية لجائحة كورونا في عام 2019، ثم تلتها الحرب الأوكرانية التي نشبت في فبراير شباط من 2022.

وفي الوقت الذي أثبتت فيه الولايات المتحدة مرونتها في التعامل مع العديد من الأزمات، لم تستطع السياسات الأوروبية إنقاذ القارة من تلك الضربات المتتالية.

وأدَّت الأزمات الأخيرة إلى مشكلات إضافية، كما فرضت تحديات جديدة أمام الاقتصاد الأوروبي، ومن بينها اضطرابات سلاسل التوريد العالمية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء لمستويات قياسية.

وكان الأوروبيون هم المتضرر الأكبر من هذه الأزمات، ليجدوا أنفسهم يصارعون الضغوط التضخمية وتسارع تكاليف المعيشة؛ ما دفعهم لخفض قوتهم الشرائية وحجم استهلاكهم، خاصة مع تراجع مستويات الأجور في البلاد الأوروبية.

وكشفت بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، انخفاض الأجور في ألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا- بنحو ثلاثة في المئة منذ عام 2019، وبنسبة 3.5 في المئة في إيطاليا وإسبانيا، مع تراجع بلغ ستة في المئة في اليونان.

وفي المقابل، ارتفعت الأجور في الولايات المتحدة بنحو ستة في المئة خلال الفترة ذاتها.

بعد إصابة الاقتصاد الأوروبي بالركود.. هل تنتقل العدوى لأميركا؟

أوروبا تصبح أكثر فقراً مقارنةً بأميركا

وكشف تقرير المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي في يوليو تموز حجم الهوة بين القارة العجوز وأميركا قائلاً «إذا كانت الدول الأوروبية ولايات ضمن الولايات المتحدة الأميركية، فإن العديد منها سينتمي إلى تلك الأكثر فقراً».

وأوضح التقرير أنه عند مقارنة الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد بين دول الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة، يظهر اختلاف كبير وفجوة متزايدة خاصة بين عامَي 2022 و2000.

الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد، هو متوسط نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، بعد قسمته بالأسعار الجارية على عدد سكان الدولة.

ويتوقع المركز الأوروبي أنه إذا استمر هذا الاتجاه، فستكون فجوة مستوى المعيشة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في عام 2035، متسعة بقدر ما هي بين أوروبا والهند اليوم.

لا يزال هناك بصيص أمل

ومع ذلك، يرى التقرير أنه لا تزال هناك فرصة أمام أوروبا لمواكبة معدلات النمو القوية للاقتصاد الأميركي، لكنها تحتاج إلى الفوز بالعديد من التحديات، بما في ذلك تغير المناخ والتحول الرقمي، والعبء المتزايد لمعدل الشيخوخة، وميزانيات الدفاع المرتفعة.

وقال «المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي»، «إذا تمكنت الولايات المتحدة من الحفاظ على معدلات قوية للنمو الاقتصادي، يمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تفعل ذلك أيضاً، لكنها تحتاج إلى تركيز سياستها الاقتصادية على استعادة قدرتها التنافسية».