بذلت حكومة المملكة المتحدة كل جهودها لدعم الاقتصاد خلال جائحة كوفيد والمرحلة الأولى لحرب روسيا في أوكرانيا، والآن بدأت الفاتورة تلوح في الأفق.

قال مكتب الإحصاءات الوطني، يوم الثلاثاء، إن الفائدة المستحقة على دَين الحكومة المركزية في المملكة المتحدة بلغت 7.7 مليار جنيه إسترليني (9.8 مليار دولار) في الشهر الماضي وحده، وهو ما يمثل رقماً قياسياً لشهر يوليو، وللمقارنة، يُعادل ذلك 11 في المئة من ميزانية الدفاع في المملكة المتحدة للسنة المالية بأكملها.

منذ أن ضربت الجائحة في مارس 2020، ارتفع دَين الحكومة البريطانية بأكثر من 40 في المئة ليصل إلى ما يقرب من 2.6 تريليون جنيه إسترليني (3.3 تريليون دولار)، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ أوائل الستينيات من القرن الماضي، وهو حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي نفسه للبلاد تقريباً.

وفي حين أن العديد من البلدان مدينة بنسبة أعلى من ناتجها المحلي الإجمالي -بما في ذلك الولايات المتحدة- تتميز بريطانيا بسبب مختلف؛ فما يقرب من ربع ديونها الحكومية مرتبطة بالتضخم.

وهذا ضعف الحصة في إيطاليا، التي يأتي اعتمادها على الديون المرتبطة بالتضخم في المرتبة الثانية بعد المملكة المتحدة بين الاقتصادات المتقدمة، وفقاً لوكالة فيتش للتصنيف الائتماني.

ومع ارتفاع الأسعار في المملكة المتحدة على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، ارتفعت أيضاً الأقساط والفوائد المستحقة على الحكومة على سندات الديون المرتبطة بالتضخم.

ساعد التضخم المرتفع في دفع تكاليف خدمة الديون في بريطانيا إلى أعلى مستوى لها كحصة من الناتج المحلي الإجمالي منذ أكثر من أربعة عقود في السنة المالية الأخيرة، ما أدى إلى تدمير الموارد المالية للبلاد في الوقت الذي تكافح فيه النمو الاقتصادي الضعيف وتقترب من الانتخابات العامة.

ووفقاً لوكالة فيتش، تنفق بريطانيا الآن لخدمة ديونها أكثر من أي اقتصاد متقدم آخر، كنسبة من الإيرادات الحكومية.

وقال مكتب مسؤولية الميزانية، وهو هيئة الرقابة المالية التابعة لحكومة المملكة المتحدة، في تقرير الشهر الماضي «تبدو فترة العشرينيات من القرن الحادي والعشرين بمثابة حقبة محفوفة بالمخاطر للغاية بالنسبة للمالية العامة».

«خلال ثلاث سنوات فقط، تضررت البلاد من جائحة كوفيد في أوائل عام 2020، وأزمة الطاقة وتكاليف المعيشة في منتصف عام 2021، وارتفاع أسعار الفائدة المفاجئ في عام 2022».

وكمؤشر على مدى ارتفاع الاقتراض، تتوقع حكومة المملكة المتحدة إنفاق 116 مليار جنيه إسترليني (148 مليار دولار) على فوائد الديون في السنة المالية الحالية، وهذا وراء الضمان الاجتماعي فقط (341 مليار جنيه إسترليني)، والصحة (245 مليار جنيه إسترليني)، والتعليم (131 مليار جنيه إسترليني).

هل يقترب الائتمان من التخفيض؟

إن عبء الديون المتزايد في المملكة المتحدة يضعها على أرض هشة قبل التقييمات القادمة من قبل وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الرئيسية، ومن الممكن أن يؤدي خفض التصنيف الائتماني لدولة ما، وهو ما يعكس الجدارة الائتمانية للدولة، إلى زيادة تكاليف الاقتراض، على الرغم من أن التأثير قد يكون محدوداً.

وكتب إيلي هندرسون، الخبير الاقتصادي في شركة إنفستيك في لندن، في مذكرة يوم الثلاثاء «لقد أصبح من الواضح أن وكالات التصنيف تقوم بتدقيق أكبر من أي وقت مضى على نسب الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي عند اتخاذ قراراتها».

وأضاف أنه عندما جردت فيتش الولايات المتحدة من أعلى تصنيف AAA في وقت سابق من هذا الشهر، أشارت إلى ارتفاع نسبة الدَّين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد كأحد أسباب التخفيض، وتضع وكالة فيتش حالياً نظرة مستقبلية سلبية للمملكة المتحدة، ما يعني أنها معرضة لخطر أكبر بتخفيض تصنيفها إلى A من مستواها الحالي وهو AA-، وهذا من شأنه أن يشير إلى جودة ائتمانية «عالية» وليس «عالية جداً».

ومن المقرر أن تنشر وكالتا موديز وستاندرد آند بورز تحديثاتهما بشأن المملكة المتحدة في 20 أكتوبر تشرين الأول، وتتبعهما وكالة فيتش في الأول من ديسمبر كانون الأول.

وقالت روث جريجوري، نائبة كبير الاقتصاديين في المملكة المتحدة في كابيتال إيكونوميكس، لشبكة CNN «لا نتوقع تخفيض التصنيف»، مشيرة إلى حقيقة أن أداء الاقتصاد البريطاني والمالية العامة كان أفضل من المتوقع.

وأضافت أنه حتى لو حدث خفض التصنيف، فإن «العواقب قد لا تكون كبيرة بشكل خاص»، «بغض النظر عن السوق المتقدمة التي تنظر إليها، فإن عائدات السندات لا ترتفع بعد تخفيض وكالة التصنيف الائتماني».

ومع ذلك، فإن الحالة العامة للمالية العامة في المملكة المتحدة تترك حكومة المحافظين أمام خيارات صعبة قبل الانتخابات العامة المقبلة التي يجب أن تتم بحلول يناير 2025.

وأضافت جريجوري أنه مع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة الرسمية و«الركود المعتدل في طريقه»، فإن وزير المالية جيريمي هانت «سيواجه صعوبة في الكشف عن حزمة كبيرة من التخفيضات الضريبية الدائمة» في الميزانية المقرر الإعلان عنها في الخريف.

وقال هانت في بيان يوم الثلاثاء «مع تباطؤ التضخم، من المهم ألا نغير مسارنا ونستمر في التصرف بمسؤولية فيما يتعلق بالمالية العامة، فقط من خلال الالتزام بخطتنا سنتمكن من خفض التضخم إلى النصف، وتنمية الاقتصاد وخفض الديون».

(حنا زيادي CNN)