مع انطلاق قمة دول ” البريكس” يوم الثلاثاء، اتجهت أنظار العالم نحو جوهانسبرغ، حيث يجتمع قادة الدول الخمس الأعضاء بالمجموعة: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وجذبت القمة هذا العام اهتماماً عالمياً غير مسبوق مع كثرة الحديث عن توسيع التحالف، وإنشاء عملة موحدة يمكن استخدامها في التعاملات التجارية للمجموعة كبديل عن الدولار، ما قد يمثل تهديداً حقيقياً لهيمنة الورقة الخضراء على التجارة العالمية.
فلماذا تسعى دول البريكس لإنشاء عملة موحدة؟ وما تداعيات ذلك على الدولار؟
فوائد العملة الموحدة لدول المجموعة
تمثل مجموعة «البريكس» أكثر من 40 في المئة من إجمالي سكان العالم، وما يزيد عن 32 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولا شك في أن انضمام المزيد من الأعضاء للمجموعة سيعزز نفوذها وتأثيرها العالمي، وتسعى نحو 40 دولة حالياً للانضمام لهذا التحالف الرائد، من بينها العديد من الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر والجزائر والبحرين.
فإنشاء عملة موحدة سيمكّن دول المجموعة من تحقيق الاستقلال الاقتصادي، ويعزز قدرتها التنافسية في النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأميركي.
وإذا نجحت دول المجموعة في استغلال التقنيات الذكية لدعم عملتها المقترحة (مثل استخدام تقنيات البلوكتشين، والعملات الرقمية، والعقود الذكية)، فستتمكن من إحداث ثورة حقيقية في النظام المالي العالمي، وتعزيز التكامل الاقتصادي فيما بينها بشكل لا مثيل له.
هل تكسر عملة البريكس هيمنة الدولار؟
يهيمن الدولار الأميركي على النظام المالي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية بعد أن أصبح العملة الأكثر استخداماً حول العالم، إذ تمثل العملة الأميركية أكثر من 70 في المئة من إجمالي التعاملات التجارية الدولية، وما يقرب من 100 في المئة من الصفقات النفطية، و59 في المئة من إجمالي الاحتياطي النقدي للبنوك المركزية حول العالم، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
ويرى الخبراء أن إنشاء عملة البريكس قد يكسر هيمنة الورقة الخضراء على النظام المالي العالمي، خاصة مع اتجاه العديد من الدول بالفعل للبحث عن بدائل لتقليص اعتمادها على الدولار، مثل استخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية.
ففي الربع الأول من هذا العام، وقعت الصين أكبر منافس للاقتصاد الأميركي، والبرازيل أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية، اتفاقاً لاستخدام العملات المحلية في التعاملات التجارية فيما بينها.
وفي وقت سابق، أعلنت المملكة العربية السعودية -أحد أكبر مصدري النفط في العالم- أنها تدرس استخدام اليوان الصيني في تعاملاتها التجارية مع الصين.
ومؤخراً، أعلنت الحكومة الهندية عن بدء تسوية التجارة الثنائية مع دولة الإمارات بالعملات المحلية للدولتين (الروبية الهندية والدرهم الإماراتي)، وأوضحت أن مؤسسة النفط الهندية دفعت مستحقات شركة أبوظبي الوطنية (أدنوك) بالروبية للمرة الأولى في تاريخ التعامل التجاري بين البلدين.
في الوقت نفسه، أجبرت العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بعض الدول على تسوية مشتريات النفط الروسي بعملات غير الدولار (مثل الدرهم الإماراتي والروبل الروسي)، ومن بينها الهند التي تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم، وفقاً لما أوردته وكالة «رويترز».
وعلى الرغم من اتفاق الخبراء على أن إنشاء عملة مشتركة لدول البريكس سيؤثر بشكل كبير على هيمنة الدولار الأميركي، فإنهم أشاروا إلى أن حجم هذا التأثير يعتمد على نطاق تبني العملة الجديدة، ومدى استقرارها، وقدرتها على توفير بديل موثوق للدولار في التعاملات الدولية على المدى الطويل.
متى يجب أن تقلق الولايات المتحدة؟
تستمد الولايات المتحدة قوتها من قوة عملتها المحلية؛ فالدولار القوي يمنح واشنطن نفوذاً اقتصادياً وسياسياً غير محدود، إذ يمكّنها من فرض العقوبات بشكل فردي على الدول الأخرى وحرمانها من الوصول لجزء كبير من النظام المالي العالمي.
كما يعزز ثقة المستثمرين العالميين في السندات الحكومية الأميركية التي تسهم بشكل كبير في تمويل أكبر اقتصادات العالم، خاصة مع تفاقم أزمة الدين العام الأميركي الذي قفز بخمسة أضعاف من 6.5 تريليون دولار منذ عشرين عاماً إلى 31.5 دولار في الوقت الحالي.
لكن نفوذ الدولار يواجه أصعب اختبار له حالياً، ولا يقتصر الأمر على عملة «البريكس» المطروحة على الساحة فحسب، فمعظم دول العالم -بما في ذلك الدول الصديقة للولايات المتحدة- تسعى لتقليل اعتمادها على الدولار خشية أن تتحول يوماً ما إلى «روسيا جديدة».
وهناك العديد من الدلالات على ذلك بالفعل. على سبيل المثال، تراجعت حصة العملة الأميركية من الاحتياطي الأجنبي للبنوك المركزية العالمية من 70 في المئة منذ عشرين عاماً إلى أقل من 60 في المئة حالياً.
كما تسعى الصين والدول الأوروبية على السواء لبناء نظم مالية عالمية جديدة بعيداً عن نظام «سويفت» القائم على الدولار، فضلاً عن توجه العديد من البلدان لاستخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية.
يُضاف إلى ذلك تفكير الكثير من الدول في إصدار عملات رقمية رسمية، وقد أعلن البنك الصيني المركزي عن إصدار عملة رقمية بالفعل.
وإذا نجحت كل هذه المحاولات في كسر هيمنة الدولار على المعاملات المالية الدولية، فحينها سيكون على الأميركيين القلق بشأن نفوذ بلادهم السياسي والاقتصادي.
كيف يحمي المستثمرون أنفسهم في حالة إنشاء عملة جديدة؟
يمكن للمستثمرين اتخاذ العديد من الخطوات لحماية أنفسهم من التقلبات المحتملة لظهور العملة الجديدة. على سبيل المثال يمكنهم زيادة استثماراتهم في الأصول المقومة بغير الدولار، مثل السندات وصناديق الاستثمار المشترك.
كما يمكنهم الاستثمار في المعادن النفيسة كالذهب والفضة للتحوط من تقلبات أسعار الصرف، بالإضافة للاستثمار في الأسهم والعقارات المرتبطة بأسواق دول «البريكس».