تنطلق فعاليات قمة بريكس 2023 في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، على مدار يومين متتاليين خلال الفترة بين 22 و24 أغسطس آب، لتعمل على دعم تطلعات معظم الدول ذات الاقتصادات الناشئة، خاصة في القارة الإفريقية بينما تسعى إلى بناء عالم أكثر شمولاً يمكنه مواجهة هيمنة الدولار الأميركي.
قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور إن قمة بريكس 2023 ستهتم بشكل خاص بالعلاقة بين الدول المؤسسة للمجموعة، وهي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، مع الدول الإفريقية للتوافق مع موضوع القمة «بريكس وإفريقيا».
كانت أكثر من 40 دولة حول العالم أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى تحالف بريكس، وذلك وفقاً لما أعلنت عنه جنوب إفريقيا.
لماذا ترغب الدول في الانضمام إلى بريكس؟
يشكل المؤسسون مجتمعين أكثر من 40 في المئة من سكان العالم، وربع الاقتصاد العالمي، وفقاً لما أوردته رويترز، كما أنهم ضمن مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية في العالم، كما ينصب اهتمامهم على التعاون الاقتصادي وزيادة التجارة متعددة الأطراف، ودعم سبل التنمية.
وفي أواخر 2021، انضمت الإمارات العربية المتحدة، وبنغلاديش، وأوروغواي إلى بنك التنمية الجديد التابع للتحالف، بينما انضمت مصر رسمياً إليه في نهاية مارس آذار الماضي، بعد تصديق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على وثيقة الانضمام التي نشرتها الجريدة الرسمية للبلاد.
من جهته، قال مراد كواشي، الخبير الاقتصادي الجزائري والأستاذ الجامعي لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «العديد من الدول الناشئة، خاصة الدول التي تطلعت سابقاً إلى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، ثم اصطدمت بنظام عالمي جائر، لذلك أصبحت تبحث عن بدائل أخرى لإقامة شراكات اقتصادية، وتحقيق رخاء اقتصادي منشود، كثير منها الآن ترى في (بريكس) المخلص والمنقذ والسبيل لتعافي اقتصاداتها، خاصة لأن المجموعة قدمت العديد من الاستراتيجيات الاقتصادية، وهناك بنك التنمية الذي يبلغ رأس ماله نحو 100 مليار دولار، ويساعد في تمويل مشاريع البنى التحتية في الدول الأعضاء وغير الأعضاء، إضافة إلى وجود اقتراحات بإنشاء عملة بديلة للتخلص من سيطرة الدولار».
بدوره، قال أشرف غراب، الخبير الاقتصادي المصري ونائب رئيس الاتحاد العربي للتنمية الاجتماعية بمنظومة العمل العربي بجامعة الدول العربية لشؤون التنمية الاقتصادية لمنصة «CNN الاقتصادية» إن «الدول تسعى إلى الانضمام إلى بريكس لنهضة اقتصاداتها؛ عن طريق تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول المؤسسة للمجموعة، إضافة إلى زيادة حجم تبادلها التجاري، فضلاً عن الهروب من سيطرة الدولار على الاقتصادات الدولية باعتباره العملة الاحتياطية الأولى».
وأوضح أن «وجود نظام عالمي آخر وعملة احتياطية أخرى مهم في تنشيط الاقتصاد العالمي وكسر هيمنة الدولار».
أهمية قمة بريكس 2023
من المرجح أن يناقش القادة في قمة بريكس 2023 كيف يمكنهم تحسين العلاقات بين اقتصاداتهم المتنوعة، بينما يتناقشون حول فرص التجارة والاستثمار في قطاعات مختلفة سواء الطاقة أو تطوير البنية التحتية، أو الاقتصاد الرقمي وسوق العمل.
في اليوم الأخير من قمة بريكس 2023 سيركز القادة على المحادثات مع قادة الدول الأخرى، إذ قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور إن القمة ستهتم بشكل خاص بالعلاقة بين دول البريكس والدول الإفريقية للتوافق مع موضوع القمة «بريكس وإفريقيا».
يقول كواشي إن «قمة بريكس 2023 تحمل أهمية كبيرة من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية، ويمكنها أن تسهم في تغيير للنمط الاقتصادي الدولي، لذلك تتجه الأنظار إلى جوهانسبرغ، بسبب كثرة عدد الدول التي تقدمت بطلب الانضمام، فهناك دول من إفريقيا مثل الجزائر ومصر، وهناك دول أخرى من القارات كافة؛ ما أعطى لهذه القمة أهمية قصوى، إضافة إلى تعاظم القوى الاقتصادية للدول الأعضاء التي تسهم في الاقتصاد العالمي بنحو 32 في المئة مقابل 29 في المئة نسبة مساهمة مجموعة السبع».
ماذا سيحدث للاقتصادات الناشئة في حالة الانضمام؟
على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لدول أعضاء « بريكس»، يبقى السؤال كيف يمكن أن ينعكس ذلك على الدول التي تقدمت بطلب للعضوية، بهذا الشأن قال كواشي إن «النظام العالمي سينتقل من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد القطبية، وهذه الدول تسعى إلى الاستفادة من النظام العالمي الجديد؛ من خلال الحصول على استثمارات صينية أو هندية أو روسية، كما يمكن الاستفادة من تمويل مشاريع البنى التحتية، أو يمكنها من خلال بنك البريكس الحصول على التكنولوجيا الهندية مثلاً، والاستفادة من التجربة الروسية في مجال الفلاحة، وغير ذلك».
وأضاف «كل هذه الاقتصادات الناشئة لم تنل فرصتها كاملة سابقاً في ظل نظام اقتصادي قاسٍ بأذرعه التجارية المتمثلة في صندوق النقد والبنك الدولي، لذلك تسعى إلى الانضمام إلى مجموعة بريكس للاستفادة من كل الفرص المحتملة».
كما أوضح غراب «أنه في حالة انضمام مصر إلى (بريكس) سيعود عليها بالكثير من المكاسب الاقتصادية، أهمها تعزيز الشراكة الاقتصادية الثنائية مع الدول الأعضاء»، موضحاً أن «مجموعة دول «بريكس» تمثل نحو 30 في المئة من حجم اقتصاد العالم، وإنتاجها من الحبوب يبلغ نحو 35 في المئة من الإنتاج العالمي، وذلك ينعكس بصورة إيجابية على الاقتصاد المصري، وسيحسن قيمة العملة المحلية».
وأفاد «في هذه الحالة، سيزيد حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الأعضاء، ويمكن أن يكون بعملة جديدة أو بالعملات المحلية أو بنظام الصفقات المتكافئة، ما يرفع من قيمة الجنيه المصري أمام سلة العملات الأخرى، ويقلل من الاعتماد على الدولار ويخفض الطلب عليه، كما سيسهم في توفير المواد الخام لتعميق الصناعة المحلية وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي بمصر، وبالتالي زيادة الدخل القومي».
ولفت إلى قوة الاقتصاد الصيني الثاني عالمياً، مضيفاً «يمكن للاقتصاد الصيني أن يصبح الأول بحلول عام 2025 وفقاً للإحصائيات العالمية، كما أنها أكبر الدول المصدرة للمواد الخام في العالم، لذلك فانضمام مصر للتجمع يعود عليها بالمكاسب من زيادة واردات المواد الخام من الصين، كما سيزيد من حجم الشراكات الاقتصادية وزيادة حجم الاستثمارات من الدول الأعضاء، إضافة إلى تعزيز الاستفادة البينية وفتح أسواق جديدة للمنتج المصري، خاصة أنها بوابة إفريقيا من ناحية الشمال الشرقي، وتتمتع بدور قوي في دعم التنمية الاقتصادية بدول القارة».
أما الجزائر التي تقدمت بطلب رسمي للحصول على عضوية «بريكس»، فقد زار الرئيس الجزائري تبون موسكو وبكين، واجتمع وزير الخارجية الجزائري مع سفراء الدول الخمس الأعضاء، ضمن جهودها سعياً للانضمام، وفقاً لما قاله كواشي.
وتابع قائلاً «الجزائر تربطها علاقات متميزة مع الصين؛ فالأخيرة تزودها حالياً بنحو 17 في المئة من احتياجاتها، لذلك فالجزائر تعول على علاقتها مع الصين، وأيضاً مع روسيا التي تمد الجزائر بنحو 90 في المئة من احتياجاتها العسكرية، كما تتمتع بتوافق تام مع جنوب إفريقيا».
وأوضح أن الجزائر تملك العديد من الأوراق الرابحة، قائلاً «الجزائر ورقة طاقوية مهمة في المنطقة وهي بوابة إفريقيا من الناحية الشمالية الغربية؛ لكن حتى الآن أعتقد أن أمر الانضمام لا يتعلق بالمعايير الاقتصادية فقط، خاصة بعد تقدم 23 دولة للانضمام، فيمكن اختبار الملف الأقوى».
عن أسباب تقدم الجزائر لعضوية «بريكس»، أفاد «كان هناك اتفاق شراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة، وكان هناك اتفاق مبدئي على تحويل التكنولوجيا الأوروبية وجذب استثمارات في الجزائر؛ لكن بعد مرور سنوات لم تحصل على هذه الأمور، لذلك فهي تبحث عن شركاء جدد والانضمام إلى بريكس بهدف الحصول على الاستثمارات والتكنولوجيا وغيرها».
أما بالنسبة إلى مصر، فقد اختتم غراب حديثه مشدداً «المكاسب التي يمكن أن تحققها مصر من انضمامها إلى (بريكس) متعددة، ولن ننسى زيادة الوفود السياحية من الدول الأعضاء؛ ما يزيد من الدخل القومي المصري».