أعلنت الصين، يوم الخميس، أنها ستحظر جميع المأكولات البحرية القادمة من اليابان رداً على قرار طوكيو البدء في إطلاق المياه المُخزنة في محطة فوكوشيما النووية في البحر بعد مرور 12 عاماً على أسوأ كارثة نووية في تاريخ العالم منذ كارثة تشيرنوبل.

ومن المتوقع أن يؤدي قرار الصين الأخير إلى تفاقم التوترات المتنامية بالفعل بين الجارتين الآسيويتين.

وتسبب الزلزال والتسونامي المدمر الذي ضرب اليابان في عام 2011 في تلويث المياه داخل محطة فوكوشيما النووية بمواد شديدة الإشعاع، ومنذ ذلك الحين تم ضخ مياه جديدة لتبريد المفاعلات.

وحذرت السلطات في عام 2019 من نفاد المساحة المتاحة لتخزين المياه، موضحة أنها لا تمتلك «خيارات أخرى» سوى إطلاقها تدريجياً في البحر في شكل معالج ومخفف للغاية.

ويعد الإطلاق الجزئي للمياه يوم الخميس الخطوة الأولى من الخطة المثيرة للجدل التي أعلنت عنها طوكيو مؤخراً لتسريب مياه فوكوشيما المشعة في البحر، والتي قوبلت باعتراضات شديدة سواء من جانب اليابانيين أنفسهم أو من جانب الدول المجاورة وفي مقدمتها الصين.

طلاب في كوريا الجنوبية يحلقون رؤوسهم احتجاجاً على تصريف مياه فوكوشيما في البحر (الصورة وكالة رويترز)

تصريف مياه فوكوشيما «عمل أناني وغير مسؤول»

أثارت بداية إطلاق المياه المشعة بعد ظهر الخميس انتقادات حادة من الصين التي وصفت العملية بأنها «عمل أناني وغير مسؤول».

وأعلنت إدارة الجمارك الصينية بعد ذلك أنها ستتوقف عن استيراد جميع المنتجات البحرية القادمة من اليابان، ما يعني أن الحظر قد يحد من توافر المواد المستخرجة من البحر -مثل ملح البحر والأعشاب البحرية- وليس الأسماك فقط.

وقالت إدارة الجمارك -في بيانها- إن هذه الخطوة تهدف إلى منع «خطر التلوث الإشعاعي المحتمل والحفاظ على سلامة الأغذية وحماية صحة المستهلكين الصينيين».

وكانت حُجة اليابان رداً على الجدل الدائر حول هذا القرار بأن تصريف المياه المعالجة أمر آمن وضروري لتحرير المساحات غير المستغلة في محطة الطاقة النووية المعطلة.

بدأ التفريغ في الساعة الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلي (منتصف الليل بالتوقيت الشرقي)، وفقاً لشركة «طوكيو للطاقة الكهربائية».

وقالت الشركة إنها تتوقع البدء بتصريف 200-210 أمتار مكعبة فقط من المياه المعالجة، واعتباراً من يوم الجمعة ستبدأ في إطلاق 456 متراً مكعباً من المياه بشكل مستمر على مدار 24 ساعة، بإجمالي 7800 متر مكعب على مدار 17 يوماً.

وأكدت الشركة أنها ستوقف العملية على الفور وتبدأ في إجراء التحقيقات المطلوبة إذا اكتشفت أي خلل في معدات التصريف أو مستويات التركيز المحددة لمياه الصرف المعالجة.

وسترسل قارباً في وقتٍ لاحق من يوم الخميس لجمع العينات والتأكد من أن مياه الصرف المعالجة تفي بمعايير السلامة الدولية.

قرار مثير للجدل

أعربت بعض الحكومات عن دعمها قرار اليابان، بينما عارضت حكومات أخرى بشدة إطلاق المياه المعالجة في البحر، وقام العديد من المستهلكين في آسيا بتخزين كميات كبيرة من الملح والمأكولات البحرية وسط مخاوف من التلوث الإشعاعي في المستقبل.

ففي حين دعمت الولايات المتحدة هذه الخطوة، وافقت تايوان على مضض شريطة عدم تجاوز كمية التريتيوم التي يتم إطلاقها «الحد الأدنى المسموح به»، أما الصين وجزر المحيط الهادئ فأعربت عن معارضتها الصريحة للقرار خشية أن يكون له تأثير إقليمي ودولي واسع النطاق، وربما يهدد صحة الإنسان والبيئة البحرية.

وقبل أن تعلن الصين حظر المأكولات البحرية يوم الخميس، حذرت وزارة الخارجية الصينية من أن إطلاق المياه المشعة «سينقل المخاطر إلى العالم أجمع وربما يمتد الضرر إلى الأجيال القادمة من البشرية».

كما اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي الصينية بالغضب والفزع يوم الخميس، حيث جذب وسم (هاشتاغ) حول إطلاق المياه أكثر من 800 مليون مشاهدة على موقع «ويبو» في غضون ساعات قليلة.

وأيّد العديد من المستخدمين حظر المأكولات البحرية، بينما دعا آخرون السلطات إلى اتخاذ خطوات أكثر صرامة. على سبيل المثال، جاء في أحد التعليقات: “يجب علينا حظر جميع المنتجات اليابانية“.

ووسط ازدهار المطبخ الياباني، أصبحت الصين أكبر وجهة لتصدير المأكولات البحرية اليابانية، وقفزت صادرات اليابان من المأكولات البحرية إلى الصين بنسبة 48 في المئة إلى 87.1 مليار ين (620 مليون دولار) في عام 2022، أي أكثر من ضعفي قيمتها قبل خمس سنوات، وفقاً لموقع مؤشر «نيكي الآسيوي».

لا يزال العديد من الصينيين يحملون مشاعر متناقضة تجاه اليابان، وعلى الرغم من شعبية المنتجات والثقافة اليابانية في الصين فإن الدعوات لمقاطعة كل ما هو ياباني تتجدد كلما طفت النزاعات القديمة على السطح من جديد.

وفي عام 2012، تحولت سلسلة من الاحتجاجات المناهضة لليابان في العديد من المدن الصينية إلى أعمال عنف بعد أن قررت اليابان تأميم مجموعة من الجزر في بحر الصين الشرقي المُتنازع عليها بين طوكيو وبكين.

ويأتي الحظر الأخير الذي أقرته الصين امتداداً لقرارات الحظر السابقة التي أوقفت بكين بموجبها الواردات القادمة من فوكوشيما وتسع مناطق أخرى في اليابان، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلنت هونغ كونغ فرض حظر مماثل على المواد الغذائية المستوردة من بعض مناطق اليابان.

وتمثل الصين وهونغ كونغ أكبر سوقين لصادرات اليابان من المأكولات البحرية، وفقاً لبيانات الجمارك اليابانية، ما يضع ضغوطاً على صناعة الأسماك اليابانية بعد قرارات الحظر الأخيرة.

بين الطمأنة الحكومية والذعر الشعبي

ويأتي هذا الذعر المتنامي من الخطر الإشعاعي على الرغم من تأكيد السلطات اليابانية ومؤيديها الدوليين -وفي مقدمتهم الوكالة الدولية للطاقة الذرية- أن عملية إطلاق المياه آمنة.

وعلى مدار السنوات السابقة، تمت معالجة مياه الصرف النووي بشكل مستمر لإزالة جميع العناصر الضارة المحتملة، ثم تخزينها في الخزانات، بينما تمت معالجة جزء كبير من المياه مرتين، وفقاً لشركة طوكيو للطاقة الكهربائية.

عندما تُطلَق مياه الصرف في البحر سيتم تخفيفها بشكل كبير بالمياه النظيفة لتقليل تركيز المواد المشعة إلى مستويات منخفضة للغاية، قبل نقلها إلى المحيط الهادئ عبر نفق تحت البحر على بعد نحو كيلومتر (0.62 ميل) قبالة الساحل.

وستقوم أطراف مستقلة بمراقبة عملية التفريغ (أثناء وبعد إطلاق المياه)، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي لديها بالفعل موظفون في مكتب فوكوشيما الذي افتُتح حديثاً لمراقبة الوضع على مدار السنوات المقبلة.