وضعت أزمة التضخم العالمية البنوك المركزية في العالم في حالة تأهب خلال العام الماضي، إذ رفعت أسعار الفائدة في التوقيت ذاته تقريباً؛ لكن المشهد الاقتصادي تغير، وقد تؤدي السياسات المتباينة إلى عدة مشكلات مستقبلية.
فكيف ينبغي للبنوك المركزية أن تنسق جهودها عندما تتجه اقتصاداتها في اتجاهات معاكسة؟
إن الأمر كان محط نقاش خاصة مع تجمع محافظي البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم في جاكسون هول بولاية وايومنغ لبحث التحولات الهيكلية في الاقتصاد العالمي، في الندوة السنوية للسياسة الاقتصادية التي يستضيفها بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كانساس سيتي.
وفي خطابها في الندوة يوم الجمعة، وجهت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تحذيراً قائلة «ربما ندخل عصر التحولات في العلاقات الاقتصادية والانكسارات في الأنظمة الراسخة».
وأضافت «بالنسبة لصانعي السياسات الذين لديهم تفويض لتحقيق الاستقرار، فإن هذا يشكل تحدياً كبيراً».
العمل من خلال صدمات ما بعد الجائحة
لقد كان التواصل والتنسيق بين البنوك المركزية أمراً حيوياً على مدى السنوات الثلاث الماضية، ومنذ بداية الجائحة بدت السياسة النقدية الدولية متشابهة إلى حد كبير.
بداية من الولايات المتحدة وصولاً إلى المملكة العربية السعودية وماليزيا، فقد خفضت العديد من الاقتصادات العالمية الكبرى أسعار الفائدة إلى مستويات منخفضة تاريخياً في مارس أذار 2020 لتحفيز اقتصاداتها وسط عمليات الإغلاق الناجمة عن الجائحة، وقد بدأ العديد منهم منذ ذلك الحين في رفع أسعار الفائدة بقوة في العامين الماضيين.
وعلى الرغم من تأثير الجائحة على الاقتصاد العالمي بشكل متشابه، فإن الانتعاش لم يكن متطابقاً، وبعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، بدأت تتعافى بشكل أسرع من غيرها، وبالتالي أصبحت السياسة النقدية الدولية مختلفة عالمياً.
انتعاش متوقف في الصين
فاجأت الحكومة الصينية المستثمرين في وقت سابق من هذا الأسبوع بقرارها عدم خفض سعر الفائدة الرئيسي الذي يؤثر على القروض العقارية، مع خفض لسعر الفائدة لمدة عام، الذي يؤثر على القروض الشخصية وقروض الأعمال، للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي انخفض فيه إنفاق المستهلكين الصينيين وإنتاج المصانع والاستثمارات في الأصول طويلة الأجل مثل العقارات أو الآلات الشهر الماضي.
وقد بلغت البطالة بين الشباب مستويات قياسية، في حين أن أزمة العقارات والديون المستمرة جعلت المستثمرين يخشون الأسوأ.
ويعد هذا التحول في السياسة النقدية مهماً بسبب أهمية البلاد للصحة الاقتصادية العالمية بشكل عام، وتمثل الصين نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو المقياس الأوسع للنشاط الاقتصادي.
وأدت عزلة الصين المتزايدة عن بقية العالم -والتي تفاقمت بسبب سياستها «زيرو كوفيد» للقضاء على الجائحة- إلى تفاقم الاختلافات في تعافيها في مرحلة ما بعد الجائحة، مقارنة بالاقتصادات الكبرى الأخرى، وفقاً للخبير الاقتصادي الدولي في ويلز فارغو، نيك بيننبروك.
وقالت لارغارد يوم الجمعة «إننا نواجه انقساماً جيوسياسياً عميقاً واقتصاداً عالمياً ينقسم إلى كتل متنافسة».
وأضافت أن محافظي البنوك المركزية سيحتاجون إلى توفير الوضوح والمرونة والتواضع مع دخول الاقتصاد العالمي عصراً جديداً من التحولات.
هل التواصل بين البنوك المركزية هو الحل؟
قال رئيس بنك إنجلترا، أندرو بيلي، في حدث يونيو حزيران الذي استضافه البنك المركزي الأوروبي «إن محافظي البنوك المركزية يتحدثون كثيراً، ونحن نرى بعضنا البعض قليلاً، من المهم أن نتشارك الحكمة حول كيفية تفسيرنا للأشياء التي تدور حولنا».
ولكن لا يتفق الجميع على أن المواءمة بين البنوك المركزية هي السياسة الأفضل.
قال نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق ريتشارد كلاريدا في مؤتمر السياسة الاقتصادية الآسيوية لعام 2021 «إن اعتماد تعاون رسمي في السياسة النقدية العالمية يمكن أن يؤدي إلى عدم مصداقية البنك المركزي والدعم العام لاستقلاله».
وأضاف بنينبروك أن التنسيق الوثيق قد يكون له عواقب غير مقصودة على الاقتصاد العالمي، قائلاً «هناك دائماً خطر يتمثل في احتمالية رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم لأنه ليس لدينا الوقت الكافي لتقييم التأثير بشكل كامل».
(سامانثا ديلويا-CNN)