برائحة الحبهان ولون ذهبي مميز، شكّل كوب صغير من القهوة السعودية إرثاً على مر السنين، فهي رمز لكرم الضيافة، وأحد أهم أيقونات قائمة التراث السعودي الثقافي غير المادي، الذي تمتد شهرته إلى العديد من الدول، ويتوارثه الجيل تلو الآخر بطريقة مستدامة.

يشكل الموروث الثقافي السعودي جزءاً أساسياً من هوية المواطن السعودي، ولأهميته جعلت المملكة التراث في قائمة أولوياتها من خلال العمل الدؤوب لتحويله إلى صناعة ثقافية وإبداعية، الأمر الذي يرتبط بشكل وثيق مع أهداف الاستدامة، بهدف الاستفادة من الثقافة كمحرك للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية من أجل تحقيق التنمية المستدامة.

الاستدامة الثقافية.. ما هي؟

يتعلق مفهوم الاستدامة الثقافية بالحفاظ على المعتقدات والممارسات الثقافية، وعلى التراث بشكل عام، كما تندرج ضمن ركيزة الاستدامة الاجتماعية، لما لها من تأثير مباشر وحيوي في ترسيخ الصورة الذهنية للشعوب، كما تملك قوة مؤثرة في الناس، فالكثير من القرارات تتأثر بمعتقدات المجتمع.

وتظهر الموروثات الثقافية بشكل جلي مع احتفال المملكة باليوم الوطني الموافق الثالث والعشرين من سبتمبر أيلول من كل عام.

ويعود اليوم الوطني السعودي إلى ذكرى توحيد المملكة عام 1932، حين أصدر الملك عبد العزيز آل سعود مرسوماً ملكياً يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر أيلول 1932.

وفي هذا العام تحتفل المملكة باليوم الوطني الـ93 تحت شعار «نحلم ونحقق».

الثقافية السعودية في أرقام

يأتي حرص السعودية على نشر موروثها الثقافي وفقاً لمستهدفات «رؤية 2030»، في ظل تمتعها بإرث خاص بها، مثل القهوة السعودية، والرقصة الشعبية المعروفة باسم «العرضة النجدية»، وفن القط العسيري، وغيرها من الصناعات التقليدية التي تعبر عن التراث السعودي وتحافظ على استدامته.

كذلك تسعى المملكة إلى الاستفادة من تأثير الثقافة في دعم خططها نحو المستقبل الأخضر، إذ أطلقت مبادرة في ديسمبر كانون الأول 2022، تهدف إلى تعزيز دور الثقافة، ورفع الوعي بمركزية الثقافة في التنمية الشاملة والمستدامة، والتخفيف من آثار تغيُّر المناخ.

واهتمت المبادرة التي أُطلقت عليها مبادرة «الثقافة والمستقبل الأخضر» بما يُعرف بـ«التراث الأخضر»، وأوضح وزير الثقافة السعودي، الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان أن هذا المصطلح يهتم بما يفوق اهتمامات التراث الطبيعي، أو التراث البيئي، ليتضمن كل المبادرات التي تحافظ على التراثين الثقافي والطبيعي، وتنميتهما عبر التركيز على استغلال الموارد والخامات الطبيعية في مختلف مجالات التراث الثقافي.

محرك اقتصادي وعنصر جذب استثماري

تلعب الثقافة والتراث السعودي دوراً مهماً لتعزيز الاقتصاد، فضلاً عن جذب السياح والاستثمارات إلى المملكة، وذلك يتماشى مع مستهدفات «رؤية 2030» لتنويع روافد الاقتصاد.

لذلك وفرت وزارة الثقافة نحو 550 منحة داخلية في فنون الطهي، ودرّبت أكثر من 1450 شخصاً في 30 ورشة عمل وستة فصول متخصصة في صناعة الأفلام، وفقاً لتقرير الوزارة لعام 2022.

كما أطلقت أول حاضنة أعمال لفنون الطهي، وشهدت مسرعات أعمال النشر تخريج 20 مشروعاً في 2022.

ولفت حامد بن محمد فايز نائب وزير الثقافة، في أكتوبر تشرين الأول الماضي، إلى وضع الوزارة عدة استراتيجيات لتوفير أكثر من 100 ألف وظيفة في القطاع الثقافي بحلول عام 2030، والمساهمة بنحو 23 مليار دولار أو ما يعادل ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2030، فضلاً عن إطلاق أكثر من 500 مبادرة ثقافية.

قدّم صندوق التنمية الثقافية أكثر من 180 مليون ريال منحة خلال 2022، تحت مظلة استراتيجية داعمة للقطاع الخاص بهدف تأمين 2.5 مليار ريال من الاستثمار الخاص في الثقافة بحلول عام 2030.

ولضمان الاستدامة الثقافية للتراث السعودي، فقد أدرجت المملكة أكثر من 2700 موقع تاريخي في السجل الوطني للتراث العمراني.

استدامة التراث السعودي ورؤية 2030

تضافرت الجهود للحفاظ على استدامة هذا التراث، ففي عام 2018 تأسست وزارة الثقافة السعودية لتأخذ على عاتقها مهمة الحفاظ على التراث السعودي والتعريف بالتقاليد العريقة للمملكة، عبر تطوير 16 قطاعاً ثقافياً، من بينها المتاحف، والتّراث الطبيعي، والفنون الأدائية، والفعاليات الثقافية، وفنون العمارة والتصميم، والفنون البصرية، وفنون الطهي، والمهرجانات، وفقاً لما يؤكده صندوق التنمية الوطني.

وفي العام ذاته، أُطلق برنامج «جودة الحياة» كأحد برامج رؤية 2030، ليسهم في تحويل السعودية إلى وجهة للفعاليات الرياضية والترفيهية العالمية، كما وضع عدداً من الأهداف أهمها العمل على الاهتمام بالمدن السعودية حتى تدرج ثلاث منها ضمن أفضل 100 مدينة للعيش فيها، وتوفير أكثر من 143 ألف وظيفة في القطاع الثقافي، إضافة إلى المحافظة على التراث السعودي والتعريف به، ومن ثم الوصول إلى أهداف الاستدامة الثقافية، إذ تمكنت من جذب 4.04 مليون زائر إلى مواقعها المدرجة ضمن مواقع التراث الوطني باليونسكو، وفقاً للتقرير السنوي لوزارة الثقافة السعودية لعام 2022.

في 2019، أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للثقافة لتضع ثلاثة أهداف رئيسية، متمثلة في تعزيز دور الثقافة في المجتمع، وتطوير المواقع الثقافية واستثمارها كمحرك للنمو الاقتصادي، إضافة إلى توفير فرص للتبادل الثقافي الدولي، ومن ثم أُعلن عن 27 مبادرة لتحقيق هذه التطلعات، على أن تخدم القطاعات الثقافية الـ16 في السعودية.

وضمن مبادرات برنامج «جودة الحياة»، تأسس صندوق التنمية الثقافي عام 2021 -كصندوق تنموي يرتبط بصندوق التنمية الوطني- وذلك بهدف تنمية القطاع الثقافي وتحقيق الاستدامة عبر دعم النشاطات والمشاريع الثقافية، إضافة إلى تسهيل الاستثمار في الأنشطة الثقافية وتعزيز ربحية القطاع.