بعد الإعلان عنه في قمة العشرين، يرى مراقبون أن إنشاء مشروع ربط الهند بأوروبا مروراً بالخليج يعد بمثابة تحدٍ لمبادرة الحزام والطريق الصينية…
ما هي مبادرة الحزام والطريق؟
مبادرة الحزام والطريق هي مشروع صيني ضخم لتطوير البنية التحتية، وهدفه الأساسي ربط الصين بالقارات الثلاث: أوروبا وإفريقيا وآسيا، وأعلن عنها الرئيس شي جين بينغ عام 2013 لتعزيز التنمية والاستثمار.
وتتضمن المبادرة شقين رئيسيين: الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري وطريق الحرير البحري.
هذه المشروعات تهدف إلى ربط المدن الصينية بأهم الوجهات التجارية في آسيا وروسيا وأوروبا، وتتضمن بناء شبكة واسعة من السكك الحديدية، وأنابيب نقل الطاقة، وإنشاء طرق سريعة وموانئ بحرية.
ومن المتوقع أن تقود مشروعات النقل هذه إلى تعزيز التجارة على مستوى العالم بنسبة تتراوح بين 1.7 في المئة و6.2 في المئة، وزيادة الدخل الحقيقي على مستوى العالم بنسبة تتراوح من 0.7 في المئة إلى 2.9 في المئة، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.
وقد تعرضت مبادرة الحزام والطريق لانتقادات عديدة بسبب مخاوف من دبلوماسية فخ الديون ومن مخاطر زيادة نفوذ الصين في العالم، حيث قدمت الحكومة الصينية قروضاً مالية ضخمة لحكومات دول معظمها لبلدان متوسطة الدخل بمبادرة «الحزام والطريق»، منها منغوليا وباكستان، ما زاد من نفوذ الصين على الساحة العالمية بعدما أصبحت واحدة من «أكبر الدائنين»، على حد قول المراقبين.
ومؤخراً، ألمحت إيطاليا إلى احتمال انسحابها من المبادرة الصينية «الحزام والطريق» بنهاية العام الحالي.
وهناك مؤشر آخر قد يدل على ضعف زخم المشروع الصيني، إذ انخفض الإقراض السيادي الصيني لإفريقيا إلى مستويات أقل من مليار دولار في عام 2022، وفقاً لما نُشِرَ في رويترز يوم الثلاثاء، استناداً إلى بيانات مبادرة الصين العالمية في جامعة بوسطن.
وتُعَدّ إفريقيا محور تركيز مبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ قدّمت بكين نحو 170 مليار دولار للبلدان الإفريقية في الفترة من 2000 إلى 2022.
ما هو مشروع ربط الهند بأوروبا ومن يدعمه؟
يهدف مشروع ربط الهند بأوروبا -الذي أُعلن عنه على هامش قمة مجموعة العشرين (G20) في نيودلهي- إلى تطوير البنية التحتية وربط الهند بمناطق أخرى من العالم، وبشكل خاص أوروبا، وأُطلق هذا المشروع من خلال مذكرة تفاهم بمشاركة العديد من القادة، منهم الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
تتضمن خطة المشروع إنشاء ممر جديد للسفن والسكك الحديدية يربط الهند بالشرق الأوسط وبعد ذلك بالبحر المتوسط.، عابراً الإمارات والسعودية والأردن، وسيشمل أيضاً إنشاء كابل بحري جديد يربط الهند بأوروبا، ومن المتوقع تمويل المشروع من خلال مزيج من الاستثمار العام والاستثمار الخاص.. كما صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بأن السكة الحديدية المقترحة ستقلل من زمن الرحلة بين الهند وأوروبا بنسبة تصل إلى 40 في المئة، بينما أكد ولي عهد السعودية محمد بن سلمان أن المشروع سيوفر الوقت بمقدار من ثلاثة إلى ستة أيام.
وعلى الرغم من أن الممر الجديد لا يزال في مراحله المبكرة، فإنه يحمل إمكانية أن يصبح مشروعاً اقتصادياً واستراتيجياً رئيسياً.
صراعات اقتصادية وجيوسياسية
يرجّح المراقبون أن مشروع ربط الهند بأوروبا يُعتَبَر تحدّياً لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ فهذا المشروع سيُساعد على تقليل اعتماد الهند على الصين في مجالي التجارة والاستثمار، كما يُرجّح أن يعزز هذا الممر الجديد علاقة الهند مع الولايات المتحدة وأوروبا، إذ تزامن إعلان هذا المشروع مع تصاعد التوترات بين الصين والهند، لا سيما الحدودية منها والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة.
الصين أقوى تجارياً
تُعدّ الهند أضعف تجارياً على المستوى العالمي مقارنةً بالصين، حيث لا يتجاوز حجم التجارة الخارجية لها 1.5 تريليون دولار أميركي، مقابل أكثر من 6.3 تريليون دولار للصين، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الهندية والمكتب الوطني الصيني للإحصاء.
أما الصين فهي ثاني أكبر شركاء الهند التجاريين، وقد سجّل الميزان التجاري للهند مع الصين عجزاً بقيمة 44 مليار دولار، و73 مليار دولار، و83 مليار دولار خلال الأعوام من 2020 إلى 2022، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الهندية.
وبلغت صادرات الهند نحو 450 مليار دولار خلال عام 2022-2023، مقابل 3.59 تريليون دولار للصين عام 2022، ما يجعل صادرات الصين تعادل ثمانية أضعاف صادرات الهند.
باختصار، يمثّل إعلان مشروع ربط الهند بأوروبا تحدياً كبيراً لمبادرة الحزام والطريق الصينية، إذ يأتي في ظل تصاعد حدة التوترات بين بكين ونيودلهي، ومن المتوقع أن تلعب التحديات الاقتصادية والجيوسياسية بين الهند والصين دوراً حاسماً في هذا السياق، إذ تظهر حاجة الهند لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا لمواجهة الصين، كما سيتوقف نجاح الممر الهندي على مدى الدعم السياسي والمالي الذي ستقدمه الولايات المتحدة وحلفاؤها.