ينتظر الاقتصادان الفلسطيني والإسرائيلي أياماً أكثر صعوبة، وسط مخاوف من تفاقم الصراع في قطاع غزة في ظل حشد الجيش الإسرائيلي عدداً ضخماً من القوات والعتاد العسكري؛ لتنفيذ عملية اجتياح بري في القطاع، ويبدو أن تل أبيب لا تبالي بالتحذيرات من تداعيات إنسانية واقتصادية وسياسية ضخمة لمثل تلك الخطوة.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء يوم الجمعة «نهاجم أعداءنا بقوة غير مسبوقة، أؤكد أن هذا ليس سوى بداية»، ما يزيد من احتمالية اجتياح بري وشيك، ويحذر مراقبون من عقبات كبيرة تنتظر إسرائيل حال إقدامها على هذه الخطوة، وعلى رأسها الأنفاق المنتشرة في القطاع ووضع الرهائن وإمكانية استدراجها لحرب شوارع بالإضافة للتكلفة الاقتصادية الضخمة للحرب.
ومنذ بداية الصراع بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة يئن الاقتصادان وسط تضرر العديد من القطاعات، ويعني تنفيذ اجتياح بري طول أمد الحرب وتداعيات أكثر ضرراً وأشد وطأة على الاقتصادين.
خسائر الاقتصاد الإسرائيلي
وقال أستاذ العلوم الاقتصادية في الجامعة العربية الأميركية في رام الله نصر عبدالكريم، إنه في حال الاجتياح العسكري لقطاع غزة «ستتعمق الأضرار الاقتصادية التي ستلحق بالاقتصاد الإسرائيلي من حيث تعطل الحياة الاقتصادية بشكل شبه كامل وانخفاض سعر صرف الشيكل بشكل إضافي، وقد يتجاوز 4 شيكلات للدولار، وهذا سيجلب مزيداً من ضغوطات التضخم».
وأضاف عبدالكريم «كما أن بورصة تل أبيب ستنزف مزيداً من الخسائر، علماً أن كلفة الحرب على غزة -بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي- تقدر حالياً بمليار دولار يومياً»، وأوضح الخبير الاقتصادي أن «حجم الأضرار سيعتمد على تطور ساحة الحرب من قبيل هل ستمتد إلى ساحات أخرى، وكيف ستتطور الحالة الأمنية في الضفة الغربية».
وتابع عبدالكريم «أظن أن الاقتصاد الإسرائيلي سيدفع ثمناً أكبر بكثير كلما طالت الحرب واتسعت»، مشيراً إلى أن أكثر القطاعات تضرراً هي « السياحة والنقل في ظل توقف حركة الطيران في مطار بن غورين ومغادرة السياح للبلاد، بل وبعض الإسرائيليين أنفسهم يغادرون البلاد؛ ما سيؤدي لنزيف لهذا القطاع».
وكشف عبدالكريم أن « قطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد بدأ نزيفاً حتى قبل الحرب الحالية بعد نزوح أكثر من 60 مليار دولار منه بحسب البيانات الإسرائيلية نتيجة للأزمة الداخلية وانعكاسات الصراع على ملف القضاء».
أشار الخبير الاقتصادي إلى «تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل في شهر أبريل نيسان الماضي، ومن المفترض وجود مراجعة ثانية للتصنيف في أكتوبر تشرين الأول الحالي، وهناك تلويح بتخفيض جديد، كما أن هناك ارتفاعاً كبيراً في تكلفة التأمين على السندات الإسرائيلية؛ ما قد يؤثر على قدرة إسرائيل على سداد هذه السندات»، مشدداً على أن «أزمة الاقتصاد الإسرائيلي عميقة».
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني يوم الجمعة إن التصعيد الحالي في قطاع غزة يختبر مرونة الاقتصاد الإسرائيلي، ومن المتوقع أن تُصدر الوكالة خلال وقت لاحق تقريراً آخر وسط توقعات بخفض تصنيف إسرائيل الائتماني، الأمر الذي سيزيد كلفة الاقتراض أو إصدار سندات.
خسائر الاقتصاد الفلسطيني
وبالنسبة لخسائر الاقتصاد الفلسطيني، قال عبدالكريم إنها «بلا شك ستتفاقم؛ إذ يعيش المواطنون الفلسطينيون في ظل ظروف صعبة مع نسبة بطالة تتجاوز الخمسين بالمئة، وتخطي نسبة الفقر سبعين في المئة، كما أن ثمانين في المئة من السكان كانوا يعيشون على الإعانات الدولية قبل الحرب».
وأضاف «الصناعة في قطاع غزة تعاني بسبب الحصار الذي دام سبعة عشر عاماً، ونقص المواد الخام، وتوقف حركة الاستيراد والتصدير جرّاء قيود مشددة من الجانب الإسرائيلي، لذلك فالتأثيرات عليها ليست كبيرة».
أوضح الخبير الاقتصادي أن «الضفة الغربية أيضاً تدفع الثمن، إذ فقد أكثر من 200 ألف شخص يعملون داخل إسرائيل عملهم، وكان هؤلاء يوفرون 1.5 مليار شيكل شهرياً لاقتصاد الضفة تساعد في تحريك التجارة الداخلية، وتطور الحرب إلى حرب برية يعني أنهم قد لا يعودون لعملهم لفترة طويلة، وهذا يضغط على الاقتصاد الفلسطيني».
وأوضح عبدالكريم أن «التجارة الفلسطينية الخارجية تمر عبر الحدود التي تسيطر عليها إسرائيل، ما يعقد الأمر، لذا ربما نشهد تراجعاً كبيراً وحاداً في التصدير والاستيراد»، مشيراً إلى «تضرر موازنة السلطة الفلسطينية بشكل كبير لأن ثلثي إيراداتها تعتمد على المقاصة مع إسرائيل، وهي الإجراءات الجمركية وضريبة القيمة المضافة التي تحصلها إسرائيل وتحولها في نهاية كل شهر إلى خزينة السلطة الفلسطينية».
وأضاف الخبير الاقتصادي «تقدر قيمة المقاصة بنحو 700 مليون شيكل شهرياً، وقد تقرر إسرائيل -كعقاب جماعي للفلسطينيين والسلطة الفلسطينية- عدم دفع المبلغ للسلطة؛ ما قد يعني عدم قدرة السلطة على دفع رواتب الموظفين»، مشيراً إلى أن «السلطة الفلسطينية في أزمة بالفعل، ومنذ نحو 27 شهراً تدفع فقط 85 في المئة من رواتب الموظفين».
وشدد عبدالكريم «كلما طالت هذه الحرب أو العدوان على غزة وتوسعت زاد نزيف الاقتصاد الفلسطيني»، مؤكداً أن «الضرر سيشمل كل القطاعات الاقتصادية، لكن الضرر على الاقتصاد الفلسطيني سيكون أقل منه على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب هيكل وطبيعة الاقتصاد الفلسطيني».