دفعت العقوبات المفروضة على موسكو، مئات الاقتصاديين والمحللين الجيوسياسيين لبحث قدرات الاقتصاد الصيني على تفادي ما قد يحدث في حالة تكرار السيناريو ذاته إذا ما أقدمت الصين على تنفيذ عملية عسكرية لإخضاع تايوان، خاصة مع اشتعال الحرب التكنولوجية بين واشنطن وبكين.

ووفقاً لمراجعة أجرتها وكالة رويترز شملت أكثر من 200 ورقة سياسية ومقال أكاديمي صيني، نُشر في فبراير شباط 2022، فإن العديد من المحللين يرغبون في معرفة كيف يمكن للصين أن تتصدى لكل السيناريوهات المتطرفة التي قد تتضمن وقف حظر تعاملاتها المالية بالدولار وتجميد أصولها في الخارج.

كتب الباحث في بنك الشعب الصيني تشن هونغ شيانغ، إنه في سياق المنافسة الاستراتيجية الصينية الأميركية والصراع على مضيق تايوان، يجب الحذر من تكرار نموذج العقوبات المالية هذا ضد الصين، لذلك يجب أن تستعد بكين لضمان استقرارها الاقتصادي والمالي.

وفي تقييم تجربة روسيا، يحذر العديد من الباحثين من تأثير العقوبات الأميركية على اقتصاد الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم- الأكبر بكثير من نظيره الروسي، والذي يعتمد على التكنولوجيا الأجنبية المتقدمة وواردات السلع الأساسية، وقد تكون النتائج أكثر تدميراً.

كتب يو يونغدينغ، الخبير الاقتصادي ومستشار البنك المركزي السابق، في مقال في يوليو تموز 2022 إن تحليل السيناريوهات المحتملة المختلفة والتوصل إلى تدابير الوقاية لحماية الاقتصاد الصيني هي أولوية قصوى لصناع القرار.

لكن تلك الآراء، قال عنها بنك الشعب الصيني في بيان له إنها تمثل وجهات نظر الموظفين الشخصية.

النموذج الروسي

كان تجميد أكثر من 300 مليار دولار من أصول البنك المركزي الروسي بالعملة الأجنبية، وإزالة البنوك الروسية من نظام المدفوعات بين البنوك (سويفت) العام الماضي، أثار قلق الخبراء الصينيين بشكل خاص، بالنظر إلى احتياطيات الصين من النقد الأجنبي التي تزيد على 3 تريليونات دولار واقتصادها المعتمد على التصدير.

من جهته، رجّح وانغ يونغلي، المدير العام لشركة تشاينا إنترناشيونال فيوتشرز، وهي واحدة من أكبر شركات الوساطة المالية في مجال السلع والعقود الآجلة المالية في البلاد، أن يكون خطر تجميد الأصول الخارجية للصين قد أصبح وشيكاً.

وكتب وانغ والعديد من الباحثين في بنك الشعب الصيني في مقالات أنه إذا نفذت أميركا عقوبات على الصين على غرار النمط الروسي، فيجب على بكين تجميد الاستثمار وصناديق التقاعد الأميركية والاستيلاء على أصول الشركات الأميركية.

كما صاغ الباحثون حلولاً غير تقليدية لاعتماد الصين على الدولار، مستوحاة جزئياً من سياسات موسكو.

ونشر المركز الصيني للتبادلات الاقتصادية الدولية، ومقره بكين، والذي يضم وزراء تجارة سابقين بين قادته، عدة تحليلات حول الدروس التي ينبغي للصين أن تتعلمها من روسيا.

نشر سون شياو تاو، الباحث في مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية، مقالاً في فبراير شباط يشير إلى ضرورة ضغط الصين من أجل المزيد من التجارة المقومة بالذهب لمنع التقلبات الكبيرة في قيمة اليوان، واستعان بقرار البنك المركزي الروسي بزيادة احتياطياته من الذهب بمقدار مليون أونصة منذ بداية حرب أوكرانيا.

وتتوافق بعض سياسات الصين مع توصيات هذه الأوراق، إذ أظهرت بيانات البنك المركزي في وقت سابق من شهر أكتوبر تشرين الأول، أن بنك الشعب الصيني زاد احتياطياته الرسمية من الذهب للشهر الحادي عشر على التوالي.

كما استعان مو لينغزي، الأكاديمي في أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، في يناير كانون الثاني، بالنموذج الروسي أيضاً، مؤكداً أن مطالبة روسيا بدفع ثمن غازها الطبيعي بالروبل يجب أن تحفز الصين على تسريع الترويج لتسعير اليوان لسلع مثل الليثيوم، وهو أمر بالغ الأهمية لبطاريات السيارات الكهربائية.

ورأى بعض الباحثين أنه يتعين على الصين تسريع عملية تسوية الطاقة الدولية باليوان لإضعاف هيمنة الدولار في سوق النفط، فيما دعا باحثون آخرون إلى إنشاء تجمع اقتصادي جديد يمكنه حماية الصين في حالة فرض عقوبات متبادلة.

وقال يي يان، الخبير الاقتصادي في الشركة الوطنية الصينية لاستكشاف وتطوير النفط والغاز، في يناير كانون الثاني، إن النفط الروسي الأرخص الذي تمتعت به الصين نتيجة للعقوبات الغربية قد خلق نموذجاً لشبكة شركات مناهضة للعقوبات في المستقبل من شأنها أن تسمح للدول الأعضاء بتجارة السلع المخفضة.

البحث عن حلول

سلط بعض المحللين الضوء على تدويل اليوان، وجادلوا بدلاً من ذلك بأن الصين يجب أن تخفف العقوبات من خلال زيادة روابطها الاقتصادية مع أميركا.

وكتب يو، المستشار السابق لبنك الشعب الصيني، في ورقته البحثية لعام 2022، أنه من غير المرجح أن تستولي أميركا على تريليونات الدولارات أو ترفض دفع رأس المال والفائدة على سندات الخزانة التي تحتفظ بها الصين.

وقدم وانغ، مسؤول العقود الآجلة الدولية في الصين، حجة مماثلة في العام الماضي، مشيراً إلى أن الذهب لم يكن بديلاً عملياً لاحتياطيات الدولار بسبب التكاليف والمخاطر المرتبطة بنقل وتخزين كميات كبيرة منه.

سابقاً، سعى الاتحاد الأوروبي وأميركا إلى إزالة المخاطر وتنويع سلاسل التوريد وإنتاج الرقائق.

تلعب الصين دوراً مهماً في سلاسل القيمة العالمية من شأنه أن يمنحها المزيد من الفرص للتحايل على العقوبات، كما أن قدرتها على استبدال التكنولوجيا الأجنبية بالإنتاج المحلي أقوى بكثير من قدرة روسيا، وفقاً لما قال مارتن تشورزيمبا، زميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن.

ورأى تشن، الباحث في بنك الشعب الصيني، أن السلاح الأقوى في الترسانة الأميركية هو استبعاد الصين من شبكة سويفت، وخلص إلى أن زيادة التعاون مع أميركا هي أفضل وسيلة لحماية الصين، فالاختراق المتبادل للاقتصادين سيضعف حتماً الرغبة في فرض عقوبات مالية على الصين.

(رويترز)