شهدت الأسابيع الأخيرة دعوات متنامية بين الشعوب العربية لمقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل مع تصعيد الدولة العبرية حربها ضد قطاع غزة.

وطالت الدعوات عدداً من أشهر العلامات التجارية العالمية التي تحظى بشعبية واسعة في الأسواق العربية مثل ماكدونالدز، وستاربكس، وبيبسيكو، وكوكاكولا، خاصة بعد إعلان العديد منها موقفه الداعم لإسرائيل.

وتعرضت سلسلة ماكدونالدز بشكل خاص لحملة عنيفة بعد إعلان فرعها في إسرائيل عن توزيع آلاف الوجبات المجانية للجيش الإسرائيلي، ما أثار غضب العملاء العرب من تفاخر الفرع بتقديم الطعام للإسرائيليين في وقت يُحرم فيه سكان غزة من مقومات الحياة الأساسية كالمياه والطعام والوقود.

ومع تزايد دعوات المقاطعة وظهور صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تشير لفروع خالية تماماً من العملاء في عدد من الدول العربية، بادرت فروع ماكدونالدز في تلك الدول بالإعلان عن حملات من التبرعات الموجهة للفلسطينيين، مؤكدة عدم ارتباطها بالموقف المعلن من الشركة الأم.

مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل
ظهرت بعض فروع ماكدونالدز وستاربكس خاوية تماماً من الرواد في بعض الدول العربية

ويرى الخبراء أنه من الصعب تحديد مدى تأثير تلك الدعوات على نتائج أعمال الشركات المشمولة بالمقاطعة في الوقت الحالي نظراً لعدم توفر بيانات حول مستوى تضرر مبيعاتها في الأسواق العربية، وهو الأمر الذي يحتاج من ستة أشهر إلى عام لتقييمه بشكل أكثر دقة.

سلاح المقاطعة عبر التاريخ

على مر التاريخ، استُخدمت حملات المقاطعة الشعبية من جانب المستهلكين كوسيلة سلمية للضغط على الشركات أو حتى الحكومات لتغيير سياساتها المثيرة للجدل، لكن مدى نجاح تلك الحملات كان يعتمد دائماً على زخم ونطاق الحملة ومثابرة المستهلكين لتفعيلها والالتزام بها لفترة طويلة.

وعلى الرغم من أن العديد منها لم يحالفه النجاح، فإن التاريخ يعج بنماذج لحملات مؤثرة أحدثت تغييرات جذرية في السياسات التجارية والحكومية التي يرى المستهلكون أنها تمثل تهديداً لحقوقهم.

مقاطعة حافلات مونتغومري

الناشطة روزا باركس
تخليد ذكرى الناشطة روزا باركس التي رفضت التخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض (المتحف الوطني للحقوق المدنية)

يعود تاريخ هذه الحملة لعام 1955 عندما أُلقي القبض على الناشطة الحقوقية روزا باركس في مدينة مونتغومري بولاية ألاباما الأميركية بتهمة العصيان المدني، والسبب هو رفضها التخلي عن مقعدها في الحافلة لرجل أبيض البشرة، وكانت قوانين الولاية في ذلك الوقت تُلزم الركاب ذوي الأصول الإفريقية بتسليم مقاعدهم للركاب البيض عند امتلاء الحافلة.

ونتيجة لذلك، انطلقت حملة شاملة بين الأميركيين الأفارقة لمقاطعة شركة حافلات مونتغومري، خاصة أنهم يمثلون أكثر من 75 في المئة من عملاء الشركة، وانضم للحملة رموز وطنية مؤثرة أمثال مارتن لوثر كينج لتستمر لأكثر من عام قبل أن تُكلل بنجاح باهر.

ففي 20 ديسمبر كانون الأول 1956، قضت المحكمة الأميركية العليا بعدم دستورية ممارسات الفصل العنصري في وسائل المواصلات ليس في مدينة مونتغومري فقط، بل وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة.

مقاطعة مزارع العنب

مقاطعة مزارع العنب
مظاهرة امتدت إلى كندا للمطالبة بمقاطعة العنب في مزارع كاليفورنيا (المتحف القومي للتاريخ الأميركي)

في منتصف القرن العشرين، كان عمال مزارع العنب بالولايات المتحدة هم الأقل أجراً في البلاد، إذ كانوا يتقاضون أجوراً تقل عن الحد الأدنى الفيدرالي مقارنة بنظرائهم من الفئات العمالية الأخرى.

وانطلقت شرارة الاحتجاجات في إحدى مزارع كاليفورنيا عندما قرر جميع عمال المزرعة ترك عملهم اعتراضاً على هذا الوضع غير اللائق.

ولاقى الإضراب دعماً واسعاً من النقابات العمالية والنشطاء الحقوقيين والمستهلكين على السواء، حيث امتنع ملايين الأميركان عن شراء منتجات هذه المزرعة وغيرها من المزارع التي تنتقص حقوق العمال.

واستمرت المقاطعة سنوات طويلة قبل أن تخضع المزارع في النهاية للضغوط بتوقيع عقود أكثر إنصافاً للعمال بدءاً من عام 1970، ونتج عن ذلك تحسين حياة آلاف العمال.

مقاطعة السكر القائم على العبودية

مقاطعة السكر القائم على العبودية
منشور يشجع المستهلكين على مقاطعة السكر. ويبين أن كل 6 عائلات تستغنى عن السكر المرتبط بالعبودية يؤدي لإنقاذ أحد الرقيق (شبكة التعليم الوطنية البريطانية)

في أواخر القرن الـ18، شهدت المملكة المتحدة واحدة من أقوى حركات مكافحة العبودية بعد انطلاق حملة شعبية واسعة تدعو لمقاطعة السكر القائم على تشغيل العبيد في جزر الهند الغربية.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، لقيت الحملة دعماً شعبياً غير مسبوق بعد أن انضم إليها نحو 300 ألف بريطاني حينها لتهوى مبيعات السكر في المزارع التي يعمل بها العبيد بأكثر من الثلث، في المقابل؛ ارتفعت مبيعات السكر الهندي غير المرتبط بمهانة الرق بأكثر من عشرة أضعاف خلال عامين، ما اضطر الشركات في النهاية للتأكيد على خلو عبواتها من أي أثر للرق لإقناع المستهلكين بالإقبال عليها.

وكان حجم المشاركة لافتاً إذ شمل جميع الفئات المجتمعية حتى الأطفال؛ فقد أظهرت إحدى الدراسات أن الأطفال قاموا بدور أساسي في المقاطعة بعد أن امتنعوا عن شراء الحلوى والمنتجات المحتوية على السكر المرتبط بالرق، ورصدت الدراسة بعض المواقف الإيجابية التي اتخذها الأطفال من تلقاء أنفسهم للمشاركة في الحملة مثل امتناع أحدهم عن تلميع حذائه بطلاء الأحذية بمجرد علمه أنه يحتوي على كميات من هذا السكر.

نستله

لا تقتصر حملات المقاطعة الناجحة على التاريخ البعيد فقط، ففي عام 1977، واجهت عملاقة الصناعات الغذائية نستله حملة مقاطعة واسعة في الولايات المتحدة بعد اتهام الشركة باللجوء لممارسات مضللة للترويج لحليب الرضاعة الصناعي، خاصة في الدول النامية.

وكانت المقاطعة -التي استمرت سبعة أعوام متصلة- سبباً رئيسياً في قيام منظمة الصحة العالمية بإصدار (الكود العالمي لتسويق بدائل حليب الرضع) في عام 1981.

وسعياً منها لإنهاء المقاطعة، أصدرت الشركة في عام 1982 سياستها الخاصة لتسويق حليب الأطفال والقائمة على مبادئ منظمة الصحة العالمية، ونتج عن ذلك إسقاط دعوات المقاطعة في عام 1984، وفقاً للموقع الرسمي للشركة.

ذا بودي شوب

شركة بودي شوب
دعوات بمقاطعة منتجات بودي شوب وسط مخاوف بشأن حقوق الحيوان (رويترز)

في عام 1989، أعلنت شركة ذا بودي يشوب الرائدة في مجال التجميل والعناية الشخصية سياستها الواضحة المناهضة للاختبار على الحيوانات، لتصبح العلامة المفضلة لملايين المستهلكين المدافعين عن حقوق الحيوان حول العالم، إذ توفر الشركة منتجاتها عالية الجودة لنحو 30 مليون مستهلك في أكثر من 70 دولة من خلال متاجرها التي تتجاوز 3000 متجر.

لكن الشركة البريطانية الشهيرة واجهت أزمة حقيقية في عام 2006 عندما قرر مالكوها بيعها لعملاقة التجميل الفرنسية لوريال المعروفة بممارسة الاختبارات على الحيوانات، وذلك في صفقة بقيمة 650 مليون جنيه إسترليني.

ونتج عن تلك الصفقة دعوات واسعة لمقاطعة منتجات بودي شوب التي كانت تمثل نموذجاً يُحتذى للرأفة بالحيوان، واستجاب للدعوة آلاف المستهلكين لتستمر لأكثر من عقد كامل.

ومع خفوت نجم علامة التجميل الشهيرة، قررت لوريال بيع بودي شوب في عام 2017 إلى العلامة البرازيلية الراقية (ناتورا) مقابل مليار يورو.

ومع استمرار التشكيك في ممارسات بودي شوب المتعلقة بالاختبار على الحيوان، كشفت (ناتورا) صراحةً عن سياستها الجديدة في هذا الصدد مؤكدة خلوها من هذا النوع من الاختبارات لتتوقف دعوات مقاطعة بودي شوب في عام 2018.

وكما يتضح من الأمثلة السابقة، فإن نجاح حملات المقاطعة الشعبية يعتمد بشكل كبير على استمرار الزخم والضغط الشعبي حتى الوصول للتأثير المطلوب