أعلن مجلس النواب البحريني في بيان، يوم الخميس، مغادرة السفير الإسرائيلي أرض المملكة عائداً إلى بلاده، وعودة سفيرها من تل أبيب، مع وقف العلاقات الاقتصادية بإسرائيل.

وعلى موقعه الإلكتروني الرسمي، عزا المجلس تلك الخطوة إلى موقف المملكة التاريخي الراسخ من القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين المشروع في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للقرارات الدولية.

وجاء البيان رداً على التصعيد الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة والذي يرى المجلس أنه ينتهك القانون الإنساني الدولي، ما دعاه للمطالبة بالمزيد من القرارات والإجراءات التي تحفظ أرواح المدنيين في غزة وكل المناطق الفلسطينية.

وأثارت تلك الخطوة التساؤلات بشأن مستقبل ما يُعرف بـ(الاتفاقيات الإبراهيمية) الموقعة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تحديداً الإمارات والبحرين، لفتح آفاق التعاون فيما بينها.

مستقبل الاتفاقيات الإبراهيمية

توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يصف الاتفاقيات الإبراهيمية باليوم الاستثنائي في تاريخ العالم (رويترز)

في سبتمبر أيلول 2020 وتحت رعاية أميركية، وقّعت كل من الإمارات والبحرين على اتفاقية مشتركة مع إسرائيل لتطبيع العلاقات مع الدولة العبرية، ليصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها تلك الخطوة بأنها «يوم استثنائي في تاريخ العالم»، وأعقب ذلك تعيين أول سفير رسمي للإمارات والبحرين لدى إسرائيل في عام 2021.

لكن التعاون الدبلوماسي لم يكن الهدف الوحيد من خطوة التطبيع، إذ شكّلت الجوانب التجارية والاقتصادية الهدف الأكبر من الاتفاق، وفي حين تطورت العلاقات بين إسرائيل والإمارات بشكل أسرع، كانت وتيرة هذا التطور أقل مع البحرين.

وبحسب محللين اقتصاديين تحدثوا لـ”CNN الاقتصادية”، فإن بيان مجلس النواب يزيد الغموض بشأن مصير الاتفاقيات الإبراهيمية ومستقبل التعاون بين الدول الموقعة.

وقال على متولي، مدير البحوث الاقتصادية بشركة (آي تي آي) للاستشارات في لندن أنه في حالة تأكيد البحرين رسمياً ما جاء على لسان مجلس النواب، فسيمثل ذلك انتكاسة كبيرة للاتفاقيات الإبراهيمية، خاصة إذا حذت الدول الموقعة الأخرى حذو المنامة.

وقال متولي أن تأكيد قطع العلاقات الاقتصادية سيؤدي إلى “تقويض موقف إسرائيل في المنطقة، وإضعاف مركزها في أي مفاوضات تجارية أو استثمارية، والحد من ثقة المستثمرين في اقتصادها”.

وأشار إلى احتمال استغلال السعودية للوضع لتقوية مركزها في أي مفاوضات لاحقة قد تتم مع الدولة العبرية، لافتاً إلى أن الحل النهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبل اتفاقيات إبراهيم وبالتالي يجب ترقب ما ستسفر عند أحداث غزة.

ملف التطبيع الإماراتي

افتتاح السفارة الإماراتية في تل أبيب
الرئيس الإسرائيلي يصافح أول سفير إماراتي خلال افتتاح سفارة الإمارات في تل أبيب في يوليو 2021 (رويترز)

شهد ملف التطبيع الإماراتي مع إسرائيل وتيرة أسرع من نظيره البحريني، وهو أمر متوقع نظراً لطبيعة الاقتصاد الإماراتي الأكثر حجماً وتنوعاً وانفتاحاً.

ففي مارس آذار 2023، أعلنت الإمارات وإسرائيل توقيع أول اتفاقية تجارة حرة فيما بينهما ليتم خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية على ما يقرب من 96 في المئة من البضائع المتبادلة بين الدولتين، وفقاً لما أوردته وكالة رويترز، وبموجب الصفقة، تمكنت الشركات الإسرائيلية أيضاً من المشاركة في المناقصات الحكومية بدولة الإمارات.

وفي عام 2022، تجاوز حجم التجارة غير النفطية بين الدولتين 2.5 مليار دولار، بينما أعربت الإمارات عن طموحها في زيادة هذا المعدل إلى 10 مليارات دولار بحلول عام 2030، بحسب وكالة رويترز.

تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل
توقيع اتفاق التجارة الحرة بين الإمارات وإسرائيل (رويترز)

في الوقت نفسه، كشفت غرفة دبي العالمية، التي افتتحت فرعاً لها في تل أبيب في ديسمبر كانون الأول الماضي، أن هناك ما لا يقل عن 1000 شركة إسرائيلية تعمل بالإمارات.

كما أعلنت إسرائيل عن تسيير سبع رحلات جوية إضافية بين الدولتين إلى جانب عشرات الرحلات الأخرى المتبادلة بينهما.

وفي أعقاب بدء الصراع بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي، أكد وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني الزيودي، أن الإمارات لا تخلط بين التجارة والسياسة، إذ قال رداً على سؤال بتأثير الصراع على العلاقة التجارية بين البلدين «نحن لا نخلط الاقتصاد والتجارة بالسياسة».

ملف التطبيع البحريني

مفاوضات التجارة الحرة بين البحرين وإسرائيل
وفد إسرائيلي يزور البحرين لبدء مفاوضات اتفاق التجارة الحرة (وزارة العدل الإسرائيلية)

في عام 2021، أي بعد نحو عام من توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، لم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين إسرائيل والبحرين 7.5 مليون دولار، وفقاً لرويترز.

وعلى الرغم من عدم توصل الطرفين حتى الآن إلى اتفاق رسمي للتجارة الحرة فيما بينهما، فإن الجهود كانت تتخذ زخماً سريعاً في هذا الاتجاه منذ بداية العام.

ففي وقت سابق هذا العام، زار وفد إسرائيلي رفيع المستوى مملكة البحرين للمشاركة في أول جولة مفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وشارك في الوفد ممثلون عن وزارات الاقتصاد والصناعة والعدل والشؤون الخارجية، حسب موقع وزارة العدل الإسرائيلية.

وكان وزير المالية البحريني قد أكد، خلال مشاركته في مؤتمر مستقبل الاستثمار بالرياض الشهر الماضي، أهمية مواصلة بناء الجسور وعدم السماح للحرب بين إسرائيل وحركة حماس بعرقلة التكامل الاقتصادي الذي ظهر بالمنطقة بعد الاتفاقيات الإبراهيمية.

لكن بيان مجلس النواب يوم الخميس أعاد التساؤلات حول موقف المنامة من ملف التطبيع مع الدولة العبرية.

ويرى متولي أن هذا التغير السريع في المواقف أمراً طبيعياً في ظل التطورات المتلاحقة في قطاع غزة وارتفاع الخسائر بين صفوف المدنيين الفلسطينيين. فهذه التطورات تزيد الضغوط على الحكومات للاستجابة للرأي العام العربي الداعم لغزة والقضية الفلسطينية والرافض للتصعيد الإسرائيلي المتواصل ضد سكان القطاع.

خطوات مشابهة

يأتي بيان مجلس النواب البحريني بعد يوم واحد من إعلان الأردن استدعاء السفير الأردني إلى إسرائيل على الفور تعبيراً عن موقف المملكة الأردنية المدين للحرب المشتعلة على غزة.

وشددت المملكة على أن عودة السفراء ترتبط بوقف الكارثة الإنسانية التي تحرم الفلسطينيين حقهم في الغذاء والماء والدواء والأمن على ترابهم الوطني، مؤكدة دعمها حل الدولتين وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفقاً لحدود 1967.

كما قامت بعض دول أميركا اللاتينية -مثل كولومبيا وتشيلي- بخفض تمثيلها الدبلوماسي مع إسرائيل، في حين أعلنت بوليفيا قطع علاقتها بالكامل بالدولة العبرية مبررة ذلك بارتكاب إسرائيل جرائم منافية للإنسانية ضد أهل غزة.