في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء المصري أن أزمة العملة التي تعاني منها البلاد هي «أزمة عابرة» وستنتهي خلال فترة بسيطة للغاية، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في السوق الموازية خلال الأيام الماضية بشكل كبير متخطياً حاجز الـ50 جنيهاً، في حين ظل السعر الرسمي مستقراً عند 30.93 جنيه.
ويرى علي متولي، مدير البحوث الاقتصادية في «آي تي آي» للاستشارات أن ارتفاع سعر العملة الأميركية في السوق الموازية يأتي نتيجة لترقب المتعاملين تطورات سعر الصرف في السوق الرسمية ومتابعتهم حرب غزة وتأثيراتها على المنطقة، وقال متولي «أرى أن الحرب لن يكون لها أي تأثير ملحوظ إذا استمرت في محيط الأراضي الفلسطينية، لكن المخاوف من تصعيد الأزمة لتشمل المنطقة تؤثر -ولو بشكل محدود- على الأسواق والمضاربين، ليس فقط في المنطقة ولكن في العالم أجمع».
سعر الدولار في السوق الموازية
خلال الأيام الماضية، قفز سعر الدولار في السوق الموازية ليتراوح بين 49 و50.25 جنيه، في حين بقي السعر ثابتاً في السوق الرسمية عند متوسط 30.93 جنيه منذ مارس آذار الماضي وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
وتعاني مصر نقصاً حاداً في العملة الصعبة، ما دفعها إلى خفض قيمة الجنيه أكثر من مرة العام الماضي، لتقفز معدلات التضخم في البلاد إلى مستويات غير مسبوقة.
بحسب أحمد شوقي، الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والتشريع والإحصاء المصرية، فإن السبب الرئيسي لارتفاع الدولار في السوق الموازية هو اعتبار المواطنين الدولار سلعة لحفظ قيمة مدخراتهم وليس عملة للتداول، ما زاد الإقبال على اقتناء الدولار بهذا الشكل.
وأضاف شوقي أن تأجيل مراجعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد المصري خلق تكهنات بحدوث تخفيض كبير في قيمة العملة المصرية مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة لإتمام مراجعات الصندوق، ما دفع المصريين للبحث عن الدولار للاستفادة من فارق السعر بعد التخفيض المتوقع.
الجنيه بين شروط الصندوق وتداعيات حرب غزة
في نهاية العام الماضي، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة ثلاثة مليارات، حصلت منه على شريحة واحدة بقيمة 275 مليون دولار، وكان على مصر اجتياز مراجعتين مع الصندوق للحصول على بقية الشرائح تباعاً، لكن المراجعات لم تجرِ في موعدها بسبب تأخر مصر في تنفيذ بعض الإجراءات ومنها زيادة مرونة سعر الصرف.
إلّا أن المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، قالت إن الصندوق «يدرس بجدية» زيادة محتملة لبرنامج القروض المقدمة لمصر -والبالغ حالياً 3 مليارات دولار- لمساعدة البلاد في مواجهة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
وأضافت غورغييفا -لرويترز- أن الصراع «يدمر» سكان غزة واقتصادها وله «آثار خطيرة» على اقتصاد الضفة الغربية، فضلاً عن الصعوبات التي يسببها للدول المجاورة كمصر ولبنان والأردن من خلال خسارة عائدات السياحة وارتفاع تكاليف الطاقة.
متى تنتهي أزمة الدولار في مصر؟
قال رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في تصريحات صحفية السبت الماضي إن أزمة العملة التي تعاني منها البلاد هي «أزمة عابرة» وستنتهي خلال فترة بسيطة للغاية.
وأضاف مدبولي، «الأهم هو ما بعد ذلك، والدرس الذي تعلمناه من الأزمة العالمية والاقتصادية أنه لا بد لنا كدولة أن نملك مقدرات إنتاجنا بأكبر قدر ممكن».
وبحسب متولي فإنه من المتوقع أن يقوم البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة الجنيه إلى مستوى الـ37 و39 مقابل الدولار خلال الفترة ما بين نهاية ديسمبر كانون الأول المقبل والربع الأول من العام القادم حتى يزيد مصادر الدخل بالعملة الصعبة مثل التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي مع تقليل الواردات غير الضرورية، ما يسهم في تقليل عجز الميزان التجاري الكبير لمصر وزيادة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي.
ويضيف متولي أنه كان على البنك المركزي المصري تبني نظام سعر صرف مرن بشكل دائم عن طريق التعويم الحر أو المدار أو حتى بربط العملة بسلة من العملات، ما يسهم في القضاء على السوق الموازية، لأن المرونة تجعل الجنيه يتحرك وفقاً لتطورات السوق وبشكل فوري.
وقال «ليس من الواضح ما إذا كان التخفيض سيقضي على السوق السوداء، لكنه بالتأكيد سيقلص التعاملات غير المشروعة ويدعم موقف مصر أمام المؤسسات الدولية».
وفي أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي، أعلن البنك المركزي المصري عن تبنيه «سياسة سعر صرف مرن» ضمن الإجراءات الإصلاحية التي يتبعها، لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي ومستدام.
وأضاف المركزي آنذاك أن نظام سعر الصرف المرن سيحدد قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى من خلال العرض والطلب، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.
ومن جانبه، يرى أحمد شوقي أنه للقضاء على أزمة نقص العملة في مصر، يجب على الحكومة اتباع سياسات مالية جديدة من خلال تقديم الدعم للصناعة المحلية لزيادة معدلات الإنتاج وخفض فاتورة الاستيراد وتقليل الضغط على العملة الأجنبية.
ويضيف شوقي: ستظل أزمة نقص العملة في مصر مستمرة في ظل استمرار ارتفاع فاتورة الاستيراد بالإضافة لارتفاع فاتورة الفوائد على الدين الخارجي والداخلي والتي ستزيد تلقائياً مع خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري من قبل مؤسسات التصنيف الدولية.
ويتعين على مصر سداد أقساط وفوائد ديون مستحقة خلال العام المقبل بقيمة 29.229 مليار دولار، بحسب تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري الصادر عن البنك المركزي المصري.