مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها الثالث، تواصل الأوضاع الإنسانية في القطاع تدهورها، لتصبح حياة السكان أشبه بالعصر الحجري مع تلاشي إمدادات الغذاء والدواء والطاقة ومواد التدفئة، بينما تتعالى التحذيرات من مواجهة سكان القطاع شبح المجاعة التي ستطول البشر والحيوانات على السواء.
ومع دخول فصل الشتاء، زادت معاناة السكان الذين يعانون من البرد القارس؛ إذ ينامون في العراء، ويفتقدون الوقود اللازم لتدفئة الخيم التي تؤويهم بعد نزوحهم قسراً من منازلهم جرَّاء الهجمات الإسرائيلية.
حتى الأخشاب التي كانوا يجمعونها من المباني المدمرة نفدت هي الأخرى، وأصبح النازحون الفلسطينيون يعتمدون على قطع القماش والبلاستيك لإشعال النيران بغرض التدفئة.
ونزح جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة تقريباً من منازلهم تحت وطأة القصف الجوي العنيف والهجوم البري الذي شنته إسرائيل على غزة منذ اجتياح مقاتلي حماس حدودها في السابع من أكتوبر تشرين الأول.
ويتكدس الكثير منهم الآن في مدينة رفح بالقرب من الحدود الجنوبية لغزة مع مصر، حيث تمتلئ زوايا الشوارع والأراضي الفارغة بملاجئ النازحين الناجين من القصف بعد أكثر من 22 ألف فلسطيني جرَّاء الهجوم الإسرائيلي، وفقاً للسلطات الصحية في غزة التي تديرها حماس.
المعاناة تطول البشر والحيوانات
معاناة غزة لم تقتصر على ساكنيها من البشر فقط، بل امتدت لتشمل الحيوانات أيضاً؛ ففي إحدى حدائق الحيوان الخاصة في رفح، يخيم العشرات من سكان غزة بين أقفاص الحيوانات، بينما تصرخ القرود والببغاوات والأسود الجائعة طلباً للطعام.
وداخل الحديقة التي تديرها عائلة جمعة، يمكن مشاهدة الخيام البلاستيكية مصطفة بالقرب من حظائر الحيوانات، بينما يتم وضع الملابس على الحبال المعلقة بين أشجار النخيل لتجفيفها.
وقال أحد أفراد العائلة، عادل جمعة، الذي فر من مدينة غزة تحت تأثير القصف «هناك العديد من العائلات التي قُضي عليها بالكامل، والآن تعيش عائلتنا كلها في حديقة الحيوان هذه»، مضيفاً «العيش بين الحيوانات أرحم من ضربات الطائرات الحربية في السماء».
وقال أحمد جمعة، صاحب الحديقة، إن أربعة قرود فقدت حياتها بالفعل، بينما أصبح الخامس ضعيفاً للغاية لدرجة أنه لا يستطيع حتى إطعام نفسه عندما يتوفر الطعام.
وأعرب جمعة عن قلقه على أشبال الأسود التي أصبحت تتغذى على الخبز بدلاً من اللحوم، قائلاً «نحن نطعمها الخبز الجاف المنقوع في الماء فقط لإبقائها على قيد الحياة، الوضع مأساوي حقاً».
وأضاف أن والدة الشبلين فقدت نصف وزنها منذ بدء الصراع الإسرائيلي على غزة، مع تحولها من وجبات الدجاج اليومية إلى حصص الخبز الأسبوعية.
وفي السياق نفسه، قال سفيان عابدين، وهو طبيب بيطري يعمل في حديقة الحيوان، إن الحيوانات تموت وتمرض كل يوم تحت تأثير الجوع والضعف وفقر الدم وغياب الطعام.
وحذَّر تقرير مدعوم من الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من أن غزة معرضة لخطر المجاعة إذ يواجه جميع السكان أزمة نقص الغذاء.
وأوقفت إسرائيل جميع واردات الغذاء والدواء والطاقة والوقود إلى غزة منذ بداية الحرب قبل نحو ثلاثة أشهر؛ وعلى الرغم من أنها تسمح الآن بدخول المساعدات إلى القطاع، فإن الفحوصات الأمنية واختناقات التسليم وصعوبة التحرك عبر الأنقاض تعوق وصول الإمدادات؛ ويقول العديد من الفلسطينيين إنهم لا يأكلون كل يوم.
انقطاع الكهرباء يحول المخيمات لمدينة أشباح
ومن بين العائلات النازحة، تحدثت وكالة رويترز مع عائلة معروف التي فرَّت من بيت لاهيا القريبة من الحدود الشمالية مع إسرائيل في اليوم الأول من الحرب، واتجهت نحو ملجأ في منطقة شمالية أخرى، لكنها وجدتها غير آمنة أيضاً، فاضطرت للانتقال إلى منطقة النصيرات وسط غزة لمدة شهر، لكن الغارات الجوية كانت تقترب منهم بشكل كبير في كثير من الأحيان، ما دفعهم للاتجاه جنوباً إلى رفح.
وتستقر الأسرة الآن في خيمتها المصنوعة من قطع الخشب والقماش البلاستيكي على حدود قطاع غزة مع مصر، وتصف الحياة في رفح بأنها «مأساة».
وتشتكي الأمهات من صعوبة بالغة في العثور على مستلزمات الأطفال مثل الحفاضات والحليب، فضلاً عن عدم الشعور بالأمان، وقالت إحداهن «ننام في خوف، لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟ لا يوجد مأوى، الحياة والظروف صعبة علينا وعلى الجميع، كل الناس يعانون، كلهم يتألمون، لا توجد حمامات ولا مياه ولا تدفئة ولا أمان».
وتقول العائلات الفلسطينية إنه ليس أمامها خيار سوى الاستمرار في العيش في المخيمات على الرغم من الظروف القاسية، حتى تنسحب القوات الإسرائيلية من غزة بشكل كامل، وتنهي عملياتها هناك، موضحين أن بعض الأشخاص الذين قرروا العودة قُتلوا.
وأثناء الليل، تصبح الخيام أشبه بمدن الأشباح مع انقطاع الكهرباء في غزة في وقت مبكر من الحرب؛ نتيجة منع إسرائيل وصول إمدادات الطاقة والوقود للمولدات، ولا تتوفر سوى الطاقة الشمسية فقط.