هيمنت حالة من الغموض والترقب على مجريات عمليات السوق الموازية للدولار الأميركي في مصر بعد قرار تحديد سعر الصرف وفقاً لآليات السوق في السادس من مارس آذار.
وفي ظل حالة عدم الفهم التي تهيمن على الأسواق منذ التعويم الأخير للجنيه، تساوت للمرة الأولى منذ نحو 20 شهراً أسعار صرف السوق الرسمية وتطبيقات سعر صرف السوق الموازية عند نحو 49.4 لكل دولار.
وقال أحد المتعاملين في السوق الموازية لـ«CNN الاقتصادية» إنه «لا أحد يفهم شيئاً، نحن منتظرون حتى تتضح الأمور»، وظهرت السوق الموازية في مصر في صيف عام 2022 بسبب الشح الشديد في العملات الأجنبية الذي عانت منه مصر بسبب خروج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في أعقاب اندلاع شرارة حرب أوكرانيا.
ووضعت السوق الموازية الحكومة المصرية والنظام المصرفي في معضلة كبيرة عجزت بسببها الدولة عن توفير العملة لعمليات الاستيراد وأدّت إلى اتخاذ البنك المركزي للكثير من الإجراءات التي تسببت بدورها في تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار أربع مرات في غضون 24 شهراً.
الضرب بيد من حديد
ظهر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في ميناء الإسكندرية غداة التعويم الأخير مهدداً السوق الموازية ومتوعداً المتعاملين فيها، وقال مدبولي إنه تم إصدار توجيهات لوزارة الداخلية بالضرب بيد من حديد لكل تجار السوق السوداء ومنظومة الشبكات التي كانت تسيطر على تحويلات المصريين بالخارج، فلا توجد دولة تسمح بهذا الأمر، مؤكداً أن هدف الدولة المصرية خلال الفترة المقبلة هو أن تكون لدينا سوق واحدة هي البنوك المصرية، والآليات والقنوات الشرعية الرسمية في الدولة هي المنوط بها تدبير العملة الأجنبية، والتعامل مع تحويلات المصريين بالخارج.
وتعتمد مصر على مجموعة من المصادر التي تتيح لها الحصول على العملات الأجنبية مثل السياحة وقناة السويس والاستثمار الأجنبي المباشر و تحويلات المصريين المقيمين بالخارج.
وتسببت هذه العمليات التي تتم خارج النظم المصرفية في تراجع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بشكل ملحوظ منذ نحو عام، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري فإن التحويلات الرسمية المصرية هبطت خلال الربع الأول من العام المالي 2024/2023 لتصل إلى 4.523 مليار دولار بنسبة 29.22 في المئة على أساس سنوي، مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي 2023/2022، التي سجلت التحويلات خلالها نحو 6.391 مليار دولار.
وجاءت تصريحات مدبولي أثناء وجوده في ميناء الإسكندرية لإعلان الإفراج عن بضائع مكدسة في الموانئ بقيمة ستة مليارات دولار أميركي وفرها النظام المصرفي للمستوردين الذين شهدت أعمالهم قدراً من التعطيل بسبب أزمة شح الدولار.
تدبير الدولار للمستوردين يشل السوق الموازية
قال أحد مستوردي العِدد الصناعية في منطقة الرويعي في قلب القاهرة في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إنه تلقى رسالة من بنك البركة وبنك آخر يتعامل معه غداة التعويم لتبشره «بسرعة تدبير الدولار في غضون ساعات، ما يعني أنني لن أكون مضطراً للتعامل مع السوق الموازية مجدداً».
أما هاني أبوالفتوح الرئيس التنفيذي لشركة «الراية» للاستشارات المالية فأوضح في اتصال مع «CNN الاقتصادية» أن «السوق الموازية لا تزال تائهة أو في حالة ترقب بسبب تساوي سعر الصرف بين السوق الموازية والسوق الرسمية، ولكنني أخشى أنها قد لا تختفي بشكل كامل؛ فتدبير العملة يأتي بترتيب حسب الأولويات».
وأضاف «ومن يعتمد عملهم على استيراد سلع غير ضرورية كمستلزمات الحيوانات الأليفة ولعب الأطفال، سيلجؤون إلى السوق الموازية إذ إن دورهم في التدبير سيأتي في آخر القائمة، ولكن الفارق في حال استمرار السوق الموازية سيكون طفيفاً ربما 5 في المئة إضافية على نسبة تدبير الدولار التي تفرضها البنوك والمقدرة بـ10 في المئة».
ولا يزال حتى الآن بعض ممن كانوا يتحوطون بالدولار الأميركي وقاموا بشرائه بأسعار وصلت في بدايات فبراير شباط إلى 72 جنيهاً لكل دولار يحاولون عرضه للبيع على وسائل التواصل الاجتماعي بأسعار تفوق السعر المعلن من قبل البنك المركزي، ولكن دعواتهم تقابل بقدر من السخرية المبطنة التي تدعوهم «للذهاب إلى البنك من أجل تغييره»، فتوحش السوق الموازية أدى إلى ميلاد تسونامي التضخم الذي وصل إلى ذروته في سبتمبر أيلول الماضي عند 38 في المئة، وهو ما تسبب في موجة غلاء عارمة التهمت جيوب وموائد الكثير من المصريين.