مع احتدام المنافسة في السباق الرئاسي الأميركي بين الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، يظهر التضخم كعقبة رئيسية أمام طموح بايدن للفوز بولاية ثانية والاحتفاظ برئاسة البيت الأبيض.
فعلى غرار معظم المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية، يسعى بايدن لتصوير نفسه نصيراً للأسر المتوسطة في مواجهة نفوذ ومصالح الطبقة الغنية.
رغم ذلك، تشير معظم استطلاعات الرأي إلى زيادة أعداد الناخبين -ومن بينهم ذوو الأصول الإفريقية والإسبانية- الذين يؤكدون أن أوضاعهم كانت أفضل في ظل سياسات ترامب أكثر مما هي عليه في عهد بايدن.
ويرى المحللون أن بايدن يواجه مهمة صعبة؛ فكيف يمكنه التعامل مع «الإحباط» الذي يشعر به الأميركيون تجاه الأوضاع المالية الصعبة التي عاشوها خلال فترة ولايته؟
النمو الاقتصادي لا ينعكس على الأوضاع المعيشية
رغم المؤشرات القوية التي أظهرها الاقتصاد الأميركي خلال عهد بايدن، فإن هذه القوة لم تنعكس على الأوضاع المعيشية للأميركيين، إذ لا يزال الكثير منهم يعانون من صعوبة المعيشة تحت تأثير التضخم وارتفاع الأسعار.
وخلال جولاته الانتخابية، يحاول بايدن إقناع الناخبين بأن سياسات ترامب تدعم الشركات والطبقات الغنية على حساب الأسر العادية، وقد يكون ذلك صحيحاً من الناحية النظرية، لكنه لن ينجح في التأثير كثيراً على الناخبين إذا كانوا يشعرون بأنهم استفادوا من عهد ترامب أكثر من بايدن.
فلدى توليه الرئاسة، أقر ترامب بالفعل تخفيضات ضريبية كبيرة معظمها موجّه للشركات والأثرياء، وفي حوار حديث له مع شبكة «سي إن بي سي»، أشار صراحة لعزمه تقليص برامج الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية حال وصوله إلى السلطة.
في المقابل، تعهد بايدن، خلال خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه في بداية مارس آذار، برفع ضرائب الشركات، وفرض ضريبة لا تقل عن 25 في المئة على المليارديرات، وإلغاء تخفيضات ترامب الضريبية للأسر التي يزيد دخلها على 400 ألف دولار سنوياً (مع الإبقاء عليها للأسر التي يقل دخلها عن هذا الحد)، بالإضافة لحزمة من الإجراءات الداعمة للمواطن العادي مثل توسيع برامج الرعاية الصحية والاجتماعية.
لكن التضخم وتأثيره المؤلم على قدرة الأسر العاملة على الوفاء بالتزاماتها المالية سيعوق محاولات بايدن لتصوير نفسه نصيراً للمواطن العادي في مواجهة سياسات ترامب الداعمة للأغنياء.
ورغم تراجع معدل التضخم العام -الذي يستثني المواد الغذائية والطاقة- عن المستوى القياسي الذي سجلته في أعقاب جائحة كوفيد-19، فإنه لا يزال أعلى بنحو 18 في المئة مقارنة بوقت تولي بايدن للسلطة، وإذا تم احتساب المواد الغذائية والطاقة والإيجارات فستكون الزيادة أعلى من ذلك كثيراً.
ورغم ارتفاع الأجور بمعدل أسرع من التضخم منذ ربيع 2023، فإن الزيادة التراكمية للأجور خلال عهد بايدن ما زالت أدنى من الزيادة التراكمية للتضخم، ما يعني المزيد من الأعباء المالية على الطبقة العاملة.
التضخم يهوي بشعبية بايدن
يرى المحللون أن التضخم يُعد العقبة الرئيسية أمام جو بايدن للفوز بولاية ثانية، مشيرين إلى أن الكثير من الناخبين يشعرون بأن أوضاعهم المالية كانت أفضل كثيراً في عهد ترامب.
وقبل أزمة كوفيد-19 مباشرة، كان الأميركيون يشعرون بأنهم يعيشون أزهى العصور الاقتصادية للولايات المتحدة على الإطلاق.
وبالفعل تشير معظم استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية بايدن لصالح ترامب في ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية.
وأظهر استطلاع قامت به شبكة «سي إن بي سي» في أكتوبر تشرين الأول الماضي أن معظم الناخبين يرون أن أوضاعهم المالية في عهد ترامب كانت أفضل مقارنة بعهد بايدن، وذلك بنسبة 4-1 بين الناخبين البيض، و2-1 بين الفئات الأخرى.
وفي استطلاع منفصل لشبكة «إن بي سي»، أكد 61 في المئة من الفئات العاملة والأقل دخلاً التي شملها الاستطلاع أنهم يثقون في ترامب أكثر من بايدن في ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية، مقابل 25 في المئة فقط أيدوا بايدن.
ويواجه بايدن مشكلة أكبر مع الأميركيين ذوي الأصول الإسبانية، وأظهر استطلاع أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» بالتعاون مع كلية «سيينا كوليدج» أن عدد ذوي الأصول الإسبانية الذين يشعرون بأن أوضاعهم كانت أفضل في عهد ترامب جاء ضعف عدد من قالوا ذلك بشأن بايدن.
كيف يتغلب بايدن على إحباط الأميركيين من سياسته الاقتصادية؟
يشير المحللون إلى تحسن في شعبية بايدن بعد خطاب الاتحاد الذي ألقاه في وقت سابق هذا الشهر، والذي أكد فيه توسيع البرامج الاجتماعية والصحية في البلاد، لافتين إلى أن بايدن قد يستفيد أيضاً من رفض الناخبين للسياسات المعلنة للجمهوريين والتي تميل بشكل واضح للفئات الأكثر ثراءً بينما تقلص شبكات الحماية الاجتماعية للأسر المتوسطة.
وحتى يتمكن بايدن من تحسين فرصه بالفوز في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني، فعليه البناء على هذا الزخم الذي أحدثه خطاب الاتحاد والتأكيد بشكل مستمر على انحيازه للفئات المتوسطة والأقل دخلاً التي تسبب التضخم في تآكل دخلها ومدخراتها.
ورغم تراجع بايدن عن ترامب في الملف الاقتصادي، فإن الأخير ما زال يواجه معارضة شعبية واسعة في العديد من الملفات الأخرى مثل الديمقراطية وحقوق الإجهاض، وميله لإشعال النزاعات والصراعات.
ويرى الخبراء أن الأجور هي أهم النقاط التي يمكن لبايدن استخدامها لدعم شعبيته الانتخابية، من خلال تعهده باستمرار ارتفاع الأجور بمعدل يفوق زيادة الأسعار.
وبشكل عام، سيكون على بايدن إقناع الناخبين بأن ما يقدمه سيوفر لهم حياة أفضل من تلك التي يقدمها منافسه دونالد ترامب.