يمثل مشروع رأس الحكمة طوق النجاة للاقتصاد المصري، فبمجرد الإعلان عن المشروع المشترك بين حكومتي مصر والإمارات، انهالت التدفقات النقدية الأجنبية على الاقتصاد المصري من مؤسسات دولية عديدة على رأسها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.
وبفضل هذه الصفقة تترقب مصر تدفقات نقدية تقارب نحو 90 مليار دولار في الفترة المقبلة، تتنوع بين استثمارات مباشرة وقروض ومنح دولية وأموال ساخنة.
ينابيع مصر الدولارية
صفقة رأس الحكمة
وقعت مصر والإمارات في فبراير شباط الماضي، صفقة استثمار عقاري، تستحوذ بموجبها الشركة القابضة «إيه دي كيو» على حقوق تطوير مشروع «رأس الحكمة» مقابل 24 مليار دولار، علاوة على تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية في البنك المركزي المصري.
وحتى الآن، تلقت مصر 15 مليار دولار من الدفعة الأولى لمشروع رأس الحكمة، ومن المرتقب أن تحصل على باقي الاستثمارات البالغة 20 مليار دولار خلال شهرين.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي «خلال شهرين سنستكمل 35 مليار دولار استثماراً مباشراً بخلاف 35 في المئة ستحصل عليها الدولة من صافي أرباح المشروع».
صندوق النقد الدولي
وافق صندوق النقد الدولي مطلع الشهر الجاري على زيادة قيمة القرض الممنوح لمصر إلى ثمانية مليارات دولار، ارتفاعاً من ثلاثة مليارات دولار، كان قد تم الاتفاق عليها في ديسمبر كانون الأول 2022، لكنها لم تحصل سوى على الشريحة الأولى بقيمة 347 مليون دولار، إذ تم تأجيل صرف الشرائح التالية بسبب عدم اجتياز المراجعتين.
وتضمن اتفاق مصر مع الصندوق تعهداً من جانبها بتنفيذ عددٍ من الإصلاحات الاقتصادية الجذرية، من بينها تطبيق سعر صرف مرن «بشكل دائم» للمساعدة على تخفيف حدة الصدمات الخارجية، والإسراع في تنفيذ برنامج الطروح الحكومية الذي يهدف إلى بيع حصص في شركات مملوكة للدولة وإفساح المجال للقطاع الخاص.
وقال وزير المالية المصري محمد معيط إن حجم تدفقات النقد الأجنبي المتوقعة بعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي ستتجاوز 20 مليار دولار.
الاتحاد الأوروبي
يعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم حزمة مساعدات إلى مصر بنحو 7.4 مليار يورو (8.04 مليار دولار)، تتضمن خمسة مليارات يورو في شكل قروض ميسرة، و1.8 مليار يورو استثمارات إضافية في إطار الخطة الاقتصادية والاستثمارية للجوار الجنوبي، بالإضافة إلى 600 مليون يورو في شكل منح، منها 200 مليون يورو لإدارة الهجرة.
البنك الدولي
يعتزم البنك الدولي دعم الاقتصاد المصري، بأكثر من ستة مليارات دولار خلال السنوات الثلاثة المقبلة، للتغلب على مشكلة نقص العملة الأجنبية التي أسهمت في تباطؤ النشاط الاقتصادي في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.
ستوجه حزمة الدعم المعلن عنها على أكثر من قطاع، ثلاثة مليارات دولار منها إلى البرامج الحكومية، وثلاثة مليارات دولار لدعم القطاع الخاص.
سيسمح التوقيع على الاتفاق مع صندوق النقد للحكومة المصرية بالتقدم للحصول على قرض إضافي بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو تسعة مليارات دولار.
تحويلات المصريين في الخارج
تمثل تحويلات المصريين في الخارج رافداً مهماً لموارد النقد الأجنبي في البلاد لكنها تأثرت سلباً في الأشهر الأخيرة بسبب اتساع الفجوة بين سعر الدولار في السوقين الرسمية والموازية بنحو الضعف تقريباً.
وخفضت مصر في السادس من مارس آذار سعر الصرف إلى أقل من 50 جنيهاً للدولار من مستوى 31 جنيهاً الذي استقر بالقرب منه لما يقرب من عام في البنوك، في حين لامس حاجز الـ70 جنيهاً للدولار في السوق الموازية قبيل خفض سعر الصرف.
وبحسب بيانات غولدمان ساكس، فمن المتوقع ارتفاع صافي تحويلات المصريين بالخارج إلى 30.5 مليار دولار في عام 2025، ثم 31.8 مليار دولار في عام 2026، ثم 33.1 مليار دولار في عام 2027.
السياحة وقناة السويس
تورّد قناة السويس نحو 60 إلى 70 في المئة من إيراداتها للموازنة العامة للدولة وهو ما يعادل نحو تسعة في المئة من الإيرادات الحكومية.
وحققت القناة إيرادات تقارب 10 مليارات دولار في 2023، لكن هذه الإيرادات قد تتأثر خلال العام الجاري في حال استمرار الهجمات الحوثية على حركة الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وكشف صندوق النقد الدولي أن الثلث الأول من شهر مارس آذار 2024 شهد استمراراً في انخفاض التجارة المارة في قناة السويس المصرية بسبب هجمات البحر الأحمر والاضطراب الذي تشهده المنطقة، ما أدّى إلى تعطيل سلاسل التوريد وتراجع مؤشرات الاقتصاد الكلي الرئيسية عالمياً.
وتمثل السياحة مصدراً مهماً للعملة الأجنبية في مصر، وخلال العام المالي الماضي قفزت إيرادات مصر من السياحة إلى 13.6 مليار دولار.
ويتوقع بنك غولدمان ساكس ارتفاع إيرادات البلاد من السياحة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق متجاوزةً 17.6 مليار دولار بنهاية عام 2027.
الأموال الساخنة
يمثل قرار البنك المركزي المصري رفع أسعار الفائدة 600 نقطة أساس مطلع الشهر الجاري، عنصر جذب لعودة الأموال الساخنة للبلاد، والتي هربت في أعقاب تدهور اقتصاد البلاد بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
والأموال الساخنة هي تدفقات مالية من خارج الدولة تدخل في صورة استثمارات في أدوات الدين الحكومية مثل أذون الخزانة أو السندات لاستغلال تدني سعر العملة المحلية مقابل الدولار أو ارتفاع الفائدة.
وتقدم مصر الآن ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية بين 23 اقتصاداً نامياً، وبمتوسط عوائد يقترب من 30 في المئة، بحسب بلومبيرغ.
موازنة مصر
تسهم هذه التمويلات في دعم الموازنة المصرية والتحول من عجز إلى فائض، ويرى بنك غولدمان ساكس أن حصول مصر على المزيد من التمويل الخارجي سيعني وجود فائض تمويلي يصل إلى 26.5 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة، مقابل توقعات سابقة بعجز قدره 13 مليار دولار قبل التطورات الأخيرة.
وتستهدف مصر تسجيل أكبر فائض أولى بنسبة 3.5 في المئة، وخفض العجز الكلي على المدى المتوسط إلى ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لتصريحات وزير المالية المصري محمد معيط.
ويبلغ إجمالي المصروفات العامة لموازنة العام المالي 2024-2025، والذي يبدأ في الأول من يوليو تموز، نحو 3.9 تريليون جنيه، بينما يصل حجم الإيرادات المتوقعة 2.6 إلى تريليون جنيه، كما تستهدف الحكومة المصرية الهبوط بمعدل الدين للناتج المحلي لأقل من 80 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة.