لم يخجل قادة الصين خلال الاجتماعات البرلمانية يوم 11 مارس آذار الجاري من الاعتراف بالمشكلات الاقتصادية التي تواجه بلادهم، وحاولوا رفع معنويات الشعب الصيني عبر تحديد الكيفية التي قد تسير بها البلاد إلى فصل جديد من النهضة الصينية لتصبح رائدة في مجال التكنولوجيا على مستوى العالم.
وأعلنت الحكومة الصينية خلال الاجتماعات البرلمانية عن استهدافها نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو خمسة في المئة خلال العام الجاري، ما يعد أقل من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 البالغ 5.2 في المئة، ولكنه أعلى من توقعات صندوق النقد الدولي البالغة 4.6 في المئة.
ولم توضح الحكومة الصينية بالتفصيل كيف سيتم تحقيق هذا الهدف، لكن هذا الهدف يدل على ثقة قيادة البلاد في المستقبل.
مخاطر تحيط بالاقتصاد من جميع الجوانب
يرجع نمو الاقتصاد الصيني خلال الأربعة عقود الماضية إلى حوافز السوق، والعمالة الرخيصة، والاستثمار في البنية التحتية، والصادرات، والاستثمار الأجنبي المباشر ولكن حتى لحظة كتابة تلك السطور لم تعمل أي من تلك المحركات بشكل فعّال.
وتتشابك أنشطة السوق مع تدخل أكبر للدولة ما أدى إلى انخفاض عدد السكان وضعف المعروض من العمالة إلى جانب حالة عدم اليقين المحيطة بالاقتصاد الصيني والتوترات الجيوسياسية المكثفة التي تسببت في دفع الاستثمار الأجنبي خارج البلاد.
وبحلول شهر يناير كانون الثاني من عام 2024 أصبح الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد في الصين أقل من 10 في المئة من إجمالي 344 مليار دولار أميركي تلقتها الصين في عام 2021.
القطاع العقاري بطل الأزمة
لعقود من الزمان، كان الاقتصاد الصيني يعتمد على سوق العقارات المزدهرة المدفوعة بعائدات استثمار المضاربة، ومع ذلك، كان هذا النمو مدفوعاً إلى حد كبير بالديون.
لتعظيم أرباحهم، بدأ المطورون في بيع المنازل قبل بنائها ما أدى في النهاية إلى ظهور العديد من المخاطر الاقتصادية من القطاع المتعثر.
بدأ الاقتصاد الصيني في التباطؤ، وفي عام 2020، اتخذ المنظمون الصينيون إجراءات صارمة ضد الاقتراض المفرط، وفرضت بكين قيوداً واسعة النطاق على إقراض شركات التطوير العقاري، ما يعني أنها لا تستطيع اقتراض المزيد من الأموال لسداد ديونها الحالية.
تبعت ذلك أزمة إفلاس شركة إيفرغراند في أوائل العام الجاري، لتصبح المطور العقاري الأكثر مديونية في العالم، كما أصبح عدد من مطوري العقارات الكبار في ورطة، علاوة على تخلف شركة كانتري غاردن عن السداد، وتكافح فانكي للعثور على قروض جديدة من أجل البقاء.
ضعف الطلب من المستهلكين المحليين
يرتبط الطلب الاستهلاكي الضعيف في الاقتصاد الصيني حالياً ارتباطاً وثيقاً بالأزمة العقارية إذ إن قيمة المنازل اليوم أقل بكثير مما كانت عليه قبل عامين، ما يخلق الخوف بشأن القيمة المستقبلية للثروة الشخصية، وهو الأمر الذي أدى إلى مزيد من الادخار الاحترازي واستهلاك أقل في مواجهة ضعف الحماية الاجتماعية، ما تسبب في انخفاض عام في أسعار السلع والخدمات.
وانخفض الطلب على السلع الصينية من الخارج بسبب القيود التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والمخاوف الجيوسياسية والصدمات التي لحقت بسلاسل التوريد العالمية، ما يفسر لماذا أكدت الحكومة صراحةً خلال اجتماعاتها السنوية على الحاجة إلى تعزيز الاعتماد على الذات في الاقتصاد الصيني.
هل يصبح الذكاء الاصطناعي هو الحل؟
سلط المسؤولون الصينيون الضوء صراحةً على حاجة البلاد إلى السعي لاختراع المزيد من المنتجات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي كما تستهدف الحكومة إنشاء تطبيقات مثل وكلاء السفر ومندوبي المبيعات الذين يعملون بواسطة الذكاء الاصطناعي.
تشتهر الصين حتى اللحظة الحالية بتطبيقات الذكاء الاصطناعي كما تُعد كل من بكين وشانغهاي مدينتين ذكيتين حيث تُستخدم التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة في مجالات مختلفة بما في ذلك النقل والتخطيط الحضري والقطاع العام.
ومع ذلك، فإن تحويل اقتصاد الصين من اقتصاد مدفوع بالاستثمار وتغذيه الديون إلى اقتصاد مدفوع بالابتكار والتكنولوجيا سيجلب بعض التحديات الجديدة.
مساعدة القطاع الخاص
أولاً يتطلب الإبداع حوافز وضماناً مؤسسياً لمكافأة المجازفين، وبالتالي، يحتاج القطاع الخاص إلى النمو بشكل أسرع، ووجدت الأبحاث أن حصة القطاع الخاص الصيني من بين أكبر 100 شركة مدرجة في الصين، انخفضت إلى 36.8 في المئة في نهاية عام 2023 من 55.4 في المئة في منتصف عام 2021.
ثانياً يتطلب الابتكار المزيد من رأس المال البشري ذي المهارات العالية، كما خلص تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2021 إلى أن تطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي يزيد من الطلب على الموظفين المهرة، على الرغم من استبدال العمالة منخفضة المهارة، ما يشكل تحدياً للصين إذ إن نمو البلاد كان مدفوعاً حتى هذه اللحظة بالعمالة منخفضة المهارة.
ثالثاً، الصناعات عالية التقنية مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية كثيفة الاستهلاك للطاقة والتي اتخذت الصين بالفعل خطوات لتنويع إمداداتها من الطاقة، ولكن تأمين سلاسل إمدادات الطاقة سيكون ضرورياً على المدى الطويل.
(رويترز)