يبدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولايته الرئاسية الثالثة ومدتها 6 سنوات حتى 2030، وسط أصعب أزمة اقتصادية تمر بها مصر منذ عقود، في ظل ارتفاع التضخم، وتدني قيمة الجنيه، والمطالبة بإفساح المجال للقطاع الخاص، وتراكم الديون وسط صراعات إقليمية في الجوار.

وأجريت الانتخابات الرئاسية المصرية في ديسمبر كانون الأول، بمشاركة ثلاثة مرشحين من أحزاب معارضة، هم حازم عمر مؤسس ورئيس حزب الشعب الجمهوري، وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وعبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد الجديد.

وحصد السيسي 89.6% من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة المشاركة 66.8% من إجمالي الناخبين المسجلين في البلاد البالغ عددهم 67.3 مليون، بحسب ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات خلال ديسمبر كانون الأول.

وفي ما يلي أهم التحديات الاقتصادية التي تنتظر السيسي في فترة ولايته الجديدة:

التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة

يبدأ الرئيس المصري ولايته الجديدة في ظل ارتفاع معدلات التضخم لأسعار المستهلكين في المدن المصرية، والتي وصلت لأعلى مستوى لها على الإطلاق في سبتمبر أيلول الماضي وهو 38 في المئة، قبل أن تنخفض مرة أخرى لتصل خلال فبراير شباط الماضي إلى 35.7 في المئة.

وارتفعت أسعار السلع في السوق المصرية خلال الشهور القليلة الماضية، تأثراً بالارتفاع الكبير لسعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية لمستويات قياسية.

وخلال فبراير شباط الماضي، وصل سعر الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازية إلى 72 جنيهاً، قبل أن يعود للتراجع إلى مستويات أقل.

ووجه السيسي خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء المصري ومحافظ البنك المركزي وأعضاء الحكومة المصرية في مارس آذار بتعزيز جهود تخفيف الأعباء عن المواطنين، خاصة من حيث السيطرة على التضخم، وضمان استقرار أسعار السلع، وزيادة حجم المعروض السلعي بالأسواق المحلية، سواء من خلال تيسير إجراءات الإفراج عن البضائع في الموانئ في ظل التدفقات الأخيرة من العملات الأجنبية، أو زيادة الإنتاج المحلي، مع استمرار الحفاظ على الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية.

تعويم الجنيه

تعرض الاقتصاد المصري لأزمة نقص سيولة دولارية خلال العام الماضي امتدت حتى بداية مارس آذار الماضي، وظهرت على خلفيتها السوق الموازية للعملة الأميركية، ما دفع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري في السادس من مارس آذار إلى رفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس، مع السماح لسعر صرف الجنيه بأن يتحدد وفقاً لآليات السوق.

واستهدفت القرارات تقييد الأوضاع النقدية بما يتوافق مع المسار المستهدف لخفض معدلات التضخم، فيما أكدت اللجنة الإبقاء على تلك المستويات حتى يتقارب التضخم مع مساره المنشود.

وخسر الجنيه المصري نحو 60 في المئة من قيمته خلال تداولات ما بعد القرارات، ليسجل نحو 49.57 جنيه وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، مقابل 30.9 جنيه قبل قرار التعويم.

وعادة ما تستخدم البنوك المركزية أسعار الفائدة ضمن أدوات السياسة النقدية للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، إذ يؤدي رفع الفائدة إلى الحد من معدلات الشراء وتشجيع المستهلكين على ادخار أموالهم في البنوك.

وقال السيسي تعقيباً على قرار تحرير سعر الصرف إن تحول بلاده إلى نظام سعر الصرف المرن أصبح ممكناً بفضل التدفقات الدولارية لمصر من الإمارات وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

وأضاف «منذ ثمانية أو عشرة أشهر تحدثت عن التعويم وقلت إنني سأقف أمام هذه الخطوة لأنها تمس الأمن القومي المصري، لأن التقدير الاقتصادي وقتها كان يمنعنا من ذلك، ولكن الآن عندما تكون لدينا تدفقات دولارية تتراوح بين 45 و50 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة واتفاق صندوق النقد الدولي فضلاً عن أموال الاتحاد الأوروبي، فإن خطوة تطبيق السعر المرن يمكن أن تنجح».

الدين العام

تعمل الحكومة المصرية خلال الفترة الحالية على خفض معدل الدين للناتج المحلي الإجمالي لأقل من 80% خلال السنوات الثلاث المقبلة، حيث تسعى الحكومة إلى خفض الدين إلى ما دون 90% من الناتج المحلي في السنة المالية الأولى، وذلك من خلال توجيه الفائض الأولي و50% من إيرادات برنامج الطروحات لخفض الدين وخدمته بشكل مباشر وبدء مسار خفض دين الحكومة وأعباء خدمته، حسب ما قال وزير المالية المصري محمد معيط.

وترتفع قيمة الديون الحكومية مع تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، وقال وزير المالية المصري في أغسطس آب الماضي إن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار أدى إلى زيادة قيمة المديونية الحكومية بقيمة 1.3 تريليون جنيه بنسبة 13.1 في المئة من الناتج المحلي بنهاية العام المالي 2023/2022.

وبحسب البيانات المنشورة على موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، ارتفع الدين المحلي المصري في الربع الأول من العام الحالي بنسبة ثمانية في المئة ليصل إلى 6.86 تريليون جنيه (222.18 مليار دولار)، مقابل 6.352 تريليون في الربع الأخير من 2022.

وبلغ الدين الخارجي المصري بنهاية عام 2023 نحو 168.034 مليار دولار، مقابل 164.522 مليار دولار في الربع المنتهي في سبتمبر أيلول الماضي بزيادة بلغت 3.51 مليار دولار، وذلك وفقاً للبيانات المنشورة على موقع وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية استناداً على إحصائيات البنك المركزي المصري.

تحديات القطاع الخاص

تظل المطالبة بتعزيز دور القطاع الخاص وتحفيز الاستثمار من أهم التحديات التي تصاحب الرئيس المصري في ولايته الثالثة، إذ طلب صندوق النقد عدة مرات من الحكومة المصرية مواصلة الدفع نحو تنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة لتعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص وتوفير فرص العمل، من خلال تنفيذ «وثيقة سياسة ملكية الدولة» والإصلاحات اللازمة لضمان المنافسة العادلة وهما عنصران أساسيان لإطلاق العنان لنمو القطاع الخاص.

وقال صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير، عقب موافقة مجلسه التنفيذي على إكمال المراجعتين الأولى والثانية لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد لمصر، إن السلطات المصرية تنفذ خطة لدعم استقرار الاقتصاد تشمل «تحرير نظام الصرف الأجنبي في سياق نظام مرن لسعر الصرف، والحد من الاستثمار العام وتكافؤ الفرص للسماح للقطاع الخاص بأن يصبح محرك النمو».

وتعمل الحكومة على تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الاقتصاد لتصل إلى 65% خلال السنوات القليلة المقبلة

تحديات قطاع الطاقة

طالت أزمة الاقتصاد المصري قطاع الطاقة، إذ أدى نقص السيولة الدولارية إلى تراكم مستحقات الشركات الأجنبية العاملة في مجال البترول، بالإضافة للجوء الحكومة المصرية إلى توفير السيولة الدولارية لاستيراد الكميات الكافية من المازوت خلال فترة الصيف الماضي، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء لفترات وصلت إلى 4 ساعات يومياً في بعض أنحاء مصر، وأعلن رئيس الوزراء خلال يوليو تموز الماضي توفير نحو 300 مليون دولار لاستيراد شحنات من المازوت.

وأعلنت الحكومة المصرية خلال الأسبوع الماضي أنها بدأت «سداد مستحقات الشركاء الأجانب العاملين في مشروعات البترول في مصر، بإجمالي نحو 20 في المئة من المتأخرات، وذلك من خلال خطة مُجدولة لسداد جميع المتأخرات تباعاً خلال الفترة القادمة».

وتراكمت على مصر متأخرات بمليارات الدولارات لشركات النفط الأجنبية قبل عقد، وبدأت سدادها بعد تخفيض آخر لقيمة العملة واتفاق مع صندوق النقد في 2016.