من المتوقع أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في خفض أسعار الفائدة بعد فترة أطول مقارنةً بنظيره الأوروبي، إذ تنخفض معدلات التضخم في منطقة اليورو من أعلى مستوياتها منذ عقود في حين عادت معدلات التضخم الأميركي للارتفاع بشكل طفيف في مارس آذار.
وبلغ معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة، وفقاً للمقياس المفضل للاحتياطي الفيدرالي وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، 2.7 في المئة في مارس آذار، ارتفاعاً من 2.5 في المئة في فبراير شباط.
ويهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى إبقاء التضخم عند مستوى اثنين في المئة على المدى الطويل.
أظهر مقياس آخر للتضخم في الولايات المتحدة، وهو مؤشر أسعار المستهلك، الاتجاه التصاعدي نفسه، ففي مارس آذار، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3.5 في المئة مقارنة بالشهر نفسه من عام 2023، ارتفاعاً من 3.2 في المئة في فبراير شباط.
وفي الوقت نفسه، تباطأ التضخم السنوي لأسعار المستهلك في دول الاتحاد الأوروبي بشكل مطّرد منذ بداية العام الجاري، وبلغ 2.4 في المئة في مارس آذار.
خفض أسعار الفائدة
يبدو أن البنك المركزي الأوروبي مستعد للبدء في خفض أسعار الفائدة في يونيو حزيران، أي قبل ثلاثة أشهر من التاريخ المتوقع أن يحذو فيه الاحتياطي الفيدرالي الحذو نفسه، بناءً على توقعات السوق، بل إن هناك دلائل تشير إلى أن المركزي الأميركي قد يفعل شيئاً كان يبدو حتى وقت قريب غير قابل للتصور، رفع تكلفة الاقتراض.
وقالت العضوة بمجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان في وقت سابق من هذا الشهر إنها تفضل رفع أسعار الفائدة «إذا توقف التقدم في التضخم أو حتى انعكس».
لماذا إذن تبدو الولايات المتحدة وكأنها تعاني من مشكلة تضخم أكبر من أوروبا؟
يزعم بعض الاقتصاديين أنه لا يوجد في الواقع فارق كبير بين معدلات التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا، وخلافاً للمقياس المفضل لدى البنك المركزي الأوروبي، فإن كلاً من مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي ومؤشر أسعار المستهلك يتضمن تكاليف الإسكان التي يتحملها المالكون الشاغلون، وهو في الأساس مقياس لمقدار المال الذي يمكن أن تكسبه من تأجير منزلك وبالتالي تتخلى عنه إذا كنت تعيش فيه.
يهدف هذا الإجراء إلى تتبع التضخم في سوق العقارات مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن معظم الأميركيين يمتلكون منازلهم.
وقال بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في يو بي إس لإدارة الثروات العالمية، إن الناس لا يشعرون في الواقع بتكاليف الإسكان الافتراضية هذه.
إن الوزن المعطى لتكاليف السكن للمالكين أكبر بكثير في مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة منه في نفقات الاستهلاك الشخصي -32 في المئة مقابل 13 في المئة- وفقاً لشركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية، ولكن كلا الوزنين لا يزال أكبر بكثير من نسبة صفر في المئة الممنوحة لهذه التكاليف في المقياس الرئيسي لأسعار المستهلك في منطقة اليورو.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.7 في المئة هذا العام، في حين يتوقع نمواً بنسبة 0.8 في المئة فقط في منطقة اليورو
ويقوم أصحاب العمل في الولايات المتحدة بالتوظيف بمعدل تاريخي، إذ أضافوا 303 آلاف وظيفة في مارس آذار، كما أنفقت واشنطن أيضاً أكثر بكثير من الحكومات الأوروبية في السنوات الأخيرة لدعم المستهلكين والشركات خلال الجائحة، وهو الأمر الذي أبقى الطلب الاستهلاكي قوياً بشكل خاص في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من البيانات الأولية التي أظهرت يوم الخميس نمواً أضعف من المتوقع في الولايات المتحدة في الربع الأول، قالت وزيرة الخزانة جانيت يلين لرويترز إن الاقتصاد لا يزال «يعمل بكل قوته».
إن الاقتصاد الأوروبي أضعف بكثير، ويرجع ذلك جزئياً إلى التأثير المستمر لأزمة الطاقة، فعندما شنت روسيا -التي كانت توفر ذات يوم أكثر من 40 في المئة من واردات أوروبا من الغاز عبر خطوط الأنابيب- غزوها الشامل لأوكرانيا في عام 2022، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في المنطقة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ونتيجة لذلك، بلغ التضخم السنوي في منطقة اليورو ذروته عند مستوى أعلى كثيراً من مستوى نفقات الاستهلاك الشخصي، ليصل المعدلان إلى 10.6 في المئة و7.1 في المئة على التوالي في عام 2022.
وقال برزيسكي إن قوة الاقتصاد الأميركي تجعل من المُرجح أن يعود التضخم المرتفع بشكل مستدام، الأمر الذي يجعل بنك الاحتياطي الفيدرالي أكثر تردداً من البنك المركزي الأوروبي في البدء بخفض أسعار الفائدة في الصيف.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تعانيان من نقص العمالة، الأمر الذي يجبر أصحاب العمل على رفع الأجور من أجل جذب العمال والاحتفاظ بهم، ما يؤدي إلى زيادة التضخم في قطاع الخدمات.
ولكن على نطاق أوسع، يبدو الطلب الاستهلاكي في الولايات المتحدة أقوى.
وقال «نرى أن نسبة الادخار لدى الأسر الأميركية بدأت في الانخفاض، ما يعني أن الناس في الولايات المتحدة على استعداد للاستفادة من مدخراتهم من أجل الإنفاق».
وأضاف «بشكل عام، الأسر الأوروبية أكثر حذراً بعض الشيء».
(آنا كوبان – CNN)