يبدو أن الاقتصاد العالمي معرض لخطر الركود في السنوات المقبلة، وقد لا تكون القوة الاقتصادية التي تتمتع بها أميركا كافية لإنقاذه.
حذرت كريستالينا غورغييفا، مديرة صندوق النقد الدولي، قبل بضعة أسابيع من أنه «بدون تصحيح المسار، فإننا نتجه بالفعل نحو (العشرينيات الفاترة)، وهو عقد بطيء ومخيب للآمال».
ويعود السبب جزئياً إلى الأداء الباهت في أوروبا والنمو الفاتر في الصين، على الرغم من البيانات القوية في الربع الأول، والخبر السار هو أنه على الرغم من العقبات الاقتصادية الكبرى في السنوات الأخيرة مثل الصراع الجيوسياسي وارتفاع أسعار الفائدة، فإن الركود العالمي ليس أمراً محتملاً، أما النبأ السيئ فهو أن النمو الضعيف من شأنه أن يجعل العديد من الناس يشعرون بأنهم أكثر فقراً.
والحل الذي اقترحته رئيسة صندوق النقد الدولي هو أن صناع السياسات حول العالم بحاجة إلى معالجة عدد كبير من القضايا الاقتصادية.
أهمية تحفيز النمو الاقتصادي في الفترة المقبلة
عندما يتوسع الاقتصاد، فإنه يحسن مستويات المعيشة، ويشجع الابتكار، ويجعل الأسر أكثر ثراء، وهذه الحقيقة تتلاشى ببطء بالنسبة لمنطقة اليورو التي تضم 20 دولة، حيث كان النمو ثابتاً، مع وجود مخاوف حالية من حدوث انكماش تام إذا لم يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة قريباً.
ولم يكن الوضع أفضل بكثير في الصين، ففي العام الماضي نما ثاني أكبر اقتصاد في العالم بأضعف وتيرة له منذ عقود، متأثراً بارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتعثر قطاع العقارات، (تشير أرقام الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من 2024 إلى أن التعافي ربما يكون قد بدأ في وقت سابق من هذا العام).
وهذا يتناقض بشكل صارخ مع الولايات المتحدة، حيث كان النمو قوياً بفضل الإنفاق الاستهلاكي القوي والمكاسب في الإنتاجية، إن قوة الاقتصاد الأميركي هي، على وجه التحديد، السبب الذي دفع صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إلى تعديل توقعاته للناتج الاقتصادي العالمي بالرفع إلى 3.2 في المئة من 2.9 في المئة التي كانت متوقعة في أكتوبر تشرين الأول.
وقالت غورغييفا إن العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وبعض دول منطقة اليورو، استفادت من نمو القوى العاملة في عام 2023، إذ تلعب الهجرة دوراً رئيسياً، بالإضافة إلى «الأسس السليمة للاقتصاد الكلي التي بنيت على مدى السنوات الماضية»، وكان النمو الاقتصادي في إسبانيا وفرنسا أقوى من المتوقع العام الماضي.
النمو القوي للإنتاجية هو سبب تفوق أداء الاقتصاد الأميركي
ارتفعت إنتاجية العمل في الولايات المتحدة، وهي في الأساس مدى كفاءة العمال في إنتاج السلع والخدمات، في عام 2023 بعد انخفاضها في العام السابق.
وسنشهد في الفترة المقبلة إذا كان هذا الزخم سيستمر أم لا، وجاء نمو الإنتاجية أقل بكثير من التوقعات في الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، وفقاً لبيانات وزارة العمل الصادرة الأسبوع الماضي.
وقال ستيفن غالاغر، كبير الاقتصاديين الأميركيين في بنك سوسيتيه جنرال، لشبكة «CNN» إن «الإنتاجية كانت أحد العوامل الكبيرة، وبالمقارنة بالدول الأخرى في أوروبا، هناك أيضاً اختلافات ثقافية عندما يتعلق الأمر بالإنفاق».
كان الأميركيون في ذروة الإنفاق خلال السنوات القليلة الماضية، التي جاءت مدعومة بسوق عمل قوية وزيادة المدخرات خلال فترة الجائحة، وبالرغم من أن الاقتصاد الأميركي لا يعمل بالوتيرة المتسارعة نفسها التي شهدها عام 2021، فإن المستهلكين الأميركيين استمروا في الإنفاق بوتيرة قوية، ما أدى بدوره إلى تعزيز النمو، ويمثل الإنفاق الاستهلاكي نحو ثلثي الناتج الاقتصادي الأميركي.
وقال غالاغر إن الأميركيين أكثر ميلاً إلى إنفاق أي مدخرات زائدة، في حين أن الناس في الدول الأوروبية «أكثر ميلاً إلى الاحتفاظ بمدخراتهم».
وقال غالاغر إن الاختلاف الرئيسي الآخر الذي يدعم الاقتصاد الأميركي مقارنة بمنطقة اليورو هو قطاع الطاقة في البلاد، وخلافاً لمنطقة اليورو، فإن الولايات المتحدة لا تعتمد بشكل كبير على الواردات من أجل إمداداتها من الطاقة، ويدفع الأوروبيون في مقابل الطاقة أكثر مما يدفعه الأميركيون، بل ويصبح الأمر أكثر تكلفة عندما تهدد الصراعات الجيوسياسية الإمدادات، مثل الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا والتوترات الحالية في الشرق الأوسط.
«تصحيح المسار» لا يضمن بالضرورة تعزيز قوة الاقتصاد الأميركي
قالت غورغييفا إنه يتعين على صناع السياسات الاقتصادية حول العالم أن يعالجوا مجموعة من القضايا الرئيسية.
وأضافت «في هذه المرحلة، يواجه صناع السياسات خياراً، إذ يمكنهم تجنب القرارات الصعبة ومحاولة التعامل مع سياسات ليست بالجيدة جداً أو يمكنهم اتخاذ إجراءات وسياسات فعالة جداً تشمل التعامل بشكل حاسم مع التضخم والديون؛ وتعزيز التحول الاقتصادي لتعزيز الإنتاجية والشمول والنمو المستدام».
وقالت إن ما نحتاج إليه هو «العشرينيات التحولية».
(برايان مينا-CNN)