أثار قانون التعبئة الجديد في أوكرانيا، الذي يدخل حيز التنفيذ يوم السبت، موجة غضب بين الشباب الذي أنهكته الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، إذ يتجاهل القانون الجديد تسريح الجنود الذين يتواجد معظمهم في ساحة القتال منذ فبراير شباط 2022.
كان الرئيس زيلينسكي قد وقع على القانون في 16 أبريل نيسان بعد موافقة البرلمان الأوكراني، بهدف تجديد القوات المستنزفة التي تكافح بشكل متزايد لصد التقدم الروسي.
ولطالما كانت القوة البشرية مشكلة بالنسبة للجيش الأوكراني في الوقت الذي يقاتل فيه عدواً أكبر بكثير وأفضل تجهيزاً، وازدادت المشكلة حدة في الأشهر الأخيرة، ما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه المتهربين من الخدمة العسكرية.
ويزيد القانون الغرامات المفروضة على المتهربين من الخدمة العسكرية إلى ما يصل إلى 8500 هريفنيا (218 دولاراً)، ويبلغ متوسط الأجر الشهري في أوكرانيا نحو 560 دولاراً، كما يهدد بإلغاء رخصة القيادة.
البنية التحتية في أوكرانيا
أُقر القانون على خلفية الحملة الروسية المتصاعدة التي دمرت البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة، وقالت السلطات إن الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار خلال الليل دمرت بالكامل محطة تريبيلسكا الحرارية للطاقة، وهي أكبر منشأة لتوليد الطاقة في العاصمة كييف.
وخضع مشروع قانون التعبئة في أوكرانيا لنحو 4500 تعديل، ما يؤكد مدى تعقد الأمر، وتشمل النقاط الرئيسية إنشاء سجل على الإنترنت للمجندين وخفض سن التأهل للتجنيد من 27 إلى 25 عاماً، وتعليق الخدمات القنصلية للرجال في سن الخدمة العسكرية الذين يعيشون خارج الوطن.
وبموجب القانون، سيُطلب من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاماً حمل وثائق تثبت تسجيلهم لدى الجيش وتقديمها عندما يُطلب منهم ذلك.
ويقدم القانون أيضاً حوافز للجنود، مثل المكافآت النقدية أو الأموال لشراء منزل أو سيارة، وهي امتيازات قد لا تستطيع أوكرانيا تحملها.
وهناك مليون أوكراني يرتدون الزي العسكري، بما في ذلك نحو 300 ألف يخدمون في الخطوط الأمامية.
زيادة عدد المهاجرين الأوكرانيين
قد يؤدي قانون التعبئة الجديد في أوكرانيا إلى زيادة عدد المهاجرين من البلاد بسبب الخوف من التجنيد الإجباري، خاصة مع عدم وجود دلالات على انتهاء الحرب قريباً ومع غياب التوقيت المحدد لتسريح الجنود من الجيش.
وبسبب الحرب الروسية على أوكرانيا والتي بدأت شرارتها الأولى في 24 فبراير شباط 2022، نزح ما يقدر بنحو 3.7 مليون أوكراني من منازلهم داخلياً، وعبر ما يقرب من 6.5 مليون شخص إلى البلدان المجاورة في المنطقة بما في ذلك بولندا والمجر وألمانيا أو بلدان أخرى على مستوى العالم.
وقال أيمن سلامة المستشار القانوني السابق في حلف الناتو في دول البلقان، إن القانون الجديد يثير السخط ليس فقط في صفوف المواطنين الأوكرانيين في سن الخدمة وإنما أيضاً في صفوف الجيش الأوكراني وتحديداً قوات الاحتياط المستدعاة منذ أكثر من عامين، بعد استبعاد بند تسريح الجنود بعد 36 شهراً من الخدمة.
وأضاف لمنصة «CNN الاقتصادية»، أن التشريع الجديد يهدف إلى مجابهة التقدم الروسي في الحدود الشرقية لأوكرانيا والاستيلاء على مساحة ضخمة تزيد على 400 كيلومتر من الأراضي الأوكرانية.
وأشار إلى أن التجنيد الإجباري، يدفع المواطنين الأوكرانيين إلى الهرب بحراً إلى رومانيا، أو تزوير الوثائق للهروب من الانضمام للخدمة العسكرية، كما يحاولون الهرب براً إلى بولندا أو سلوفاكيا أو المجر عبر الجبال الواعرة.
وتمثل ألمانيا الوجهة الأكثر شعبية للاجئين الأوكرانيين، حيث استقبلت نحو 28.9 في المئة من إجمالي النازحين منذ الحرب، تلتها بولندا ثم جمهورية التشيك.
الخسائر الاقتصادية
وقد يتسبب استدعاء المزيد من الأشخاص للخدمة العسكرية، إلى حدوث نقص شديد في العمالة ومزيد من الاضطراب الاقتصادي، ما قد يدفع البعض للبحث عن فرص عمل أفضل في الخارج.
وعلى طول الحدود الغربية للبلاد، تواصل السلطات الأوكرانية منع الرجال الذين يحاولون مغادرة البلاد بشكل غير قانوني، وخلال عام 2023، منعت السلطات الأوكرانية نحو 50 ألف مواطن من مغادرة البلاد بطرق غير شرعية، بحسب تصريحات سابقة لأندري ديمشينكو، المتحدث باسم جهاز حرس الحدود الأوكراني، لشبكة CNN.
ويحتاج الاقتصاد الأوكراني إلى عدد كافٍ من القوى العاملة للحفاظ على استمرارية عمله.
وقال تيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد ووزير سابق، لشبكة CNN «في كل مرة تسحب فيها شخصاً من الهيكل التنظيمي لأي شركة للذهاب للخدمة في الجيش، فإنك تخلق حالة من الاضطراب، وعند مرحلة ما ينهار الاقتصاد بشكل لا رجعة فيه».
في السنة الأولى من الحرب، خسر الاقتصاد الأوكراني نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأدى ذلك إلى أكبر ركود في تاريخ أوكرانيا، وانخفض الدخل بشكل حاد، وارتفع معدل الفقر في البلاد من 5.5 في المئة من السكان إلى 24.2 في المئة في عام 2022.
وأصبحت أوكرانيا الآن واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم، على الرغم من كونها واحدة من أكبر مصدري المحاصيل في العالم، مثل الذرة والشعير والقمح، قبل الحرب.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن واحدة من كل ثلاث أسر أوكرانية تعاني من انعدام الأمن الغذائي، وترتفع إلى واحدة من كل اثنتين في بعض مناطق الشرق والجنوب.
ويزداد الأمر سوءاً بسبب فقدان الكثير من الوظائف في أعقاب تدمير روسيا البنية التحتية مثل الموانئ والمصانع ومحطات الطاقة، وهو أيضاً نتيجة لتباطؤ أو توقف بعض الأنشطة الاقتصادية.