نجحت إميلي ميلر، من بين ملايين المعجبين الذين غمروا موقع «تيكيت ماستر» على أمل شراء تذاكر لجولة تايلور سويفت، في الحصول على مقعد من المقاعد الأرضية مقابل مئتي دولار لرؤية نجمة البوب المفضلة لها في بيتسبرغ الصيف الماضي.
والآن، تحلم ميلر برؤية سويفت تؤدي مرة أخرى عندما تعود جولتها إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، ولكن على الرغم من استخدامها 10 حسابات للحصول على رمز يمنحها فرصة واحدة لشراء التذاكر بالقيمة الاسمية من خلال موقع «تيكيت ماستر»، فإنها لم تنجح، ولم تجد سوى تذاكر المنطقة المزدحمة خلف المسرح في سوق إعادة البيع بآلاف الدولارات.
وقالت ميلر لشبكة «CNN» إن «الناس يستغلون المعجبين وضعفهم تجاه الفنانين المفضلين مثل تايلور؛ إذ إنهم يعرفون أننا قد نفعل أي شيء حقيقي لمجرد الوجود داخل هذا الملعب»، وقالت إن الموزعين «يتلاعبون بالأسعار».
التلاعب بالأسعار، مصطلح استُخدم كثيراً مؤخراً لوصف ما هو أبعد بكثير من مجرد ارتفاع أسعار البنزين أثناء الأعاصير، ويركز الاتهام بالتلاعب بالأسعار بشكل رئيسي على الشعور بأن المستهلك يتم استغلاله، لكن في الواقع، لا يستطيع الاقتصاديون، ولا حتى الرئيس الأميركي جو بايدن، الاتفاق على تعريف محدد للظاهرة.
ولكن هناك شيئاً واحداً يتفق عليه الجميع؛ هو أن كل شيء تقريباً يكلف أكثر مما كان عليه قبل بضع سنوات، نتيجة للتضخم، وعلى الرغم من أن وتيرة الزيادات في الأسعار قد تباطأت إلى حد كبير، فإن المستهلك الأميركي لا يزال يدفع المزيد.
وبفضل التكنولوجيا، باتت الأسعار ترتفع في ثوانٍ، على عكس سابقاً عندما كانت تتطلب الارتفاعات وقتاً، على سبيل المثال، لطباعة قوائم أسعار جديدة.
وفي الوقت الذي يتوجه فيه المستهلكون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على شعورهم بالتعرض للسرقة، هم في واقع الأمر مجرد ضحايا للتضخم، أو نظام العرض والطلب المعتاد.
التلاعب بالأسعار من وجهة نظر التجار
قال جافين روبرتس، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة ويبر ستيت الذي يدرس تأثير قوانين مكافحة التلاعب بالأسعار، إن القوانين ذاتها في كثير من الأحيان لا تحدد ماهية التلاعب بالأسعار.
وتحدث بايدن بصراحة بشأن اتخاذ إجراءات صارمة ضد التلاعب بالأسعار، وهو مصطلح يستخدمه بالتبادل مع «جشع الشركات»، وكلاهما يدعي أنه عامل مساهم في التضخم.
وفي الوقت ذاته، لم يحدد بايدن ما هو التلاعب بالأسعار وما هو ليس كذلك، ورفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق على ذلك، وبدلاً من ذلك أشار لشبكة CNN إلى التصريحات التي أدلى بها بايدن العام الماضي، بما في ذلك «إلى أي شركة لم تخفض أسعارها مرة أخرى، حتى مع انخفاض التضخم، إذ إنه تم إعادة بناء سلاسل التوريد، وحان الوقت لوقف التلاعب بالأسعار».
وقال روبرتس إن الشركات التي تفرض رسوماً بقدر ما تستطيع، رغم أنها قد تكون مؤلمة للمستهلكين، لا تعني بالضرورة أنها تتلاعب بالأسعار.
فمن وجهة نظر روبرتس، يحدث التلاعب بالأسعار عندما تكون هناك ندرة في السلعة أو الخدمة، ونقص المنافسة، ويكون لدى المستهلك القليل جداً من المعلومات حول السعر الذي سيتم تحصيله منه أو عندما لا يكون لديه القدرة على التسوق للحصول على أسعار أفضل، كل ذلك قد يؤدي إلى استغلالهم.
ويرى ستيفن سورانوفيتش، أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن الذي نشر أيضاً بحثاً حول التلاعب بالأسعار، الأمر بشكل مختلف.
وقال «أعرّفها على أنها استخدام قوة السوق لتأمين سعر أعلى مما يمكن أن يحدث في ظل المنافسة الحرة، على سبيل المثال، كان مارتن شكريلي من المتلاعبين بالأسعار عندما وضع أسعاراً مرتفعة إلى حد يبعث على السخرية على بعض الأدوية الصيدلانية التي تسيطر عليها شركته».
فعندما كان شكريلي الرئيس التنفيذي للشركة المعروفة سابقاً باسم تورينغ للأدوية، ارتفع سعر عقار دارابريم المنقذ للحياة الذي يستخدمه مرضى الإيدز من 13.50 دولار للحبة إلى 750 دولاراً للحبة في عام 2015؛ ما أثار احتجاجاً عاماً.
تواصلت «CNN» مع شكريلي الذي أُدين لاحقاً بتهمة الاحتيال والتآمر في الأوراق المالية، عبر لينكد إن، وورد في رسالة «نحن لا نتحدث مع الوشاة»، دون أن يحدد الجهة التي كان يشير إليها.
التلاعب بالأسعار أم التسعير الديناميكي؟
قد يكلفك الانتظار لطلب سيارة ( أوبر) حتى تصل إلى ردهة المبنى أكثر بنسبة 20 في المئة من السعر الذي رأيته عند فتح التطبيق في المرة الأولى.
هذا هو جوهر نموذج أعمال (أوبر)، وهي ممارسة تُعرف باسم التسعير الديناميكي، إذ لا يوجد سعر ثابت لتكلفة رحلتك، بل هو مرتبط بالعرض من السائقين في منطقة معينة ونسبة الطلب على الرحلات.
وخضعت (أوبر)، مثل منافستها الرئيسية (ليفت)، للتدقيق لأنها سمحت للأسعار بالارتفاع في أوقات ذروة وسائل النقل العام، وفي بعض الأوقات، علقت الشركات التسعير المفاجئ مؤقتاً، (ولم تستجب أي من الشركتين لطلبات التعليق).
ومع ذلك، كان التسعير المفاجئ أو الديناميكي مُفعلاً بشكل كامل، في ليلة رأس السنة الجديدة عام 2011، حينما شهدت (أوبر) أعلى طلب لها في مدينة نيويورك حينئذ؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار الرحلات إلى ما يزيد على 100 دولار، وقد أدى ذلك إلى سلسلة من الاتهامات بالتلاعب بالأسعار.
كتب ترافيس كالانيك، الرئيس التنفيذي في ذلك الوقت، تدوينة في وقت لاحق على مدونة أشار فيها إلى أنه «لا يُطلب من أحد أن يستقل سيارة (أوبر)، ولكن وجود خيار موثوق به هو ما نسعى إليه، الأمر لا يتعلق بالتلاعب».
وقال سورانوفيتش إن ارتفاع الأسعار يمكن أن يكون ببساطة نتاج «سوق تنافسية»، لكنه أقرَّ بأن الزيادات المفاجئة في الأسعار من المرجح أن تدفع المستهلكين إلى الاعتقاد بأنهم يتعرضون للتلاعب في الأسعار و«إلقاء اللوم على الشركات في التربح».
وقال لشبكة «CNN» إن «ارتفاع التكاليف بسبب التضخم هو سبب الزيادات التدريجية في الأسعار، لكنني لن أعتبر ذلك تلاعباً».
حماية المستهلك
يحذر خبراء متخصصون في استراتيجية التسعير من أن الزيادات المفاجئة يمكن أن تولد ردة فعل عكسية.
قال رافي محمد الذي أسس شركة استشارية في مجال استراتيجيات التسعير تُسمى كالتشر أوف بروفيت (ثقافة الربح) «إن التلاعب بالأسعار هو شعور شخصي يخص المستهلك بأنه يتم استغلاله إن وجد سعراً مرتفعاً بشكل غير عادل».
وأضاف أنه عند تحديد السعر، يحتاج المسؤولون إلى فهم وتوقع أن أسعارهم ستثير ردود فعل عاطفية تتراوح بين «هذا رخيص» و«هذا غير عادل».
ولتجنب ذلك، كانت فلسفته هي تحديد الأسعار بطريقة يمكن أن تثير استجابة إيجابية من العملاء على غرار «شكراً لك! لقد نظرت في العروض المختلفة وقررت أن منتجك وسعرك يقدمان لي أفضل قيمة».
ومع ذلك، إذا كنت تعتقد أنك تتعرض للتلاعب في الأسعار، فقد تتمكن الولاية التابع لها من التدخل -كما فعل الكثيرون أثناء الجائحة، حتى بالنسبة لسلع مثل ورق المرحاض- من خلال تحديد سقف للأسعار.
ومع ذلك، كتبت تيريزا موراي، مديرة قسم مراقبة المستهلك في (US PIRG)، وهي مجموعة أبحاث غير ربحية للدفاع عن المستهلك، في منشور أنه «إذا لم تكن متأكداً مما إذا كان سعر منتج مرتفعاً جداً، فمن الأفضل الإبلاغ عنه إلى الشركة والمدعي العام الخاص بك».
(إليزابيث بوتشوالد- CNN)