يشعر كبار رجال الأعمال والاقتصاديين بالقلق إزاء مشكلة الديون المتنامية في الولايات المتحدة الأميركية.

في الأسبوع الماضي، أعرب الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان، جيمي ديمون، عن مخاوفه من أن الأزمة تلوح في الأفق وأن الإنفاق بالاستدانة غير الخاضع للرقابة يمكن أن ينفجر.

وقال ديمون خلال مقابلة مع سكاي نيوز «يمكن لأي دولة أن تقترض المال وتدفع عجلة النمو قليلاً، لكن ذلك قد لا يؤدي دائماً إلى نمو جيد»، «أعتقد أن أميركا يجب أن تدرك تماماً أنه يتعين علينا التركيز على قضايا العجز المالي لدينا أكثر قليلاً، وهذا مهم للعالم».

وأضاف أن العجز هو «السبب وراء ارتفاع معدل التضخم»، وأنه يأمل أن «تركز الحكومة الأميركية حقاً» على خفض العجز، «في مرحلة ما سوف يسبب مشكلة، فلماذا تنتظر؟».

وختم قائلاً «هذه المشكلة سيكون سببها السوق، وبعد ذلك سوف تضطر إلى التعامل معها وربما بطريقة غير مريحة أكثر بكثير مما لو كنت قد تعاملت معها في البداية».

فيما قال راي داليو، مؤسس صندوق التحوط بريدجووتر، في تصريحات لصحيفة فايننشال تايمز الأسبوع الماضي إنه يجب على المستثمرين «القلق بشأن صورة الديون الأميركية».

وقال جلين هوبارد، الخبير الاقتصادي والعميد السابق لكلية إدارة الأعمال بجامعة كولومبيا، لموقع Before the Bell الأسبوع الماضي، إن «مدفوعات الفائدة على الدين الوطني، التي كانت في الأساس صفراً قبل عامين، أصبحت الآن بحجم الإنفاق الدفاعي»، وقال إن الرئيس القادم سيتعين عليه التعامل مع هذه القضية.

وأوضح أنه «قد لا يقوم بحملته بناءً على ذلك، ولكن أياً كان، فسوف يتعين عليه أن يفعل شيئاً حيال ذلك».

فلماذا القلق المفاجئ؟

الصورة الكاملة للأزمة في الولايات المتحدة أنه بين التخفيضات الضريبية في عهد ترامب وبرامج التحفيز في عصر كوفيد، انفجر الدين الوطني في السنوات الأخيرة، كما استمر الإنفاق من خلال قانون خفض التضخم الذي أقرّه الرئيس جو بايدن في زيادة الديون.

وتنفق حكومة الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تدخله، فقد عانت من عجز في الميزانية لمدة ستة من الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة المالية، وحتى الآن في هذه السنة المالية، تراكم العجز إلى نحو 855 مليار دولار، أكثر من 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة (وهو مقياس للاقتصاد)، ويضيف هذا إلى عبء الديون التراكمية التي تتحملها الولايات المتحدة والتي تبلغ 34.6 تريليون دولار.

يقول جيسون توماس، رئيس الأبحاث العالمية واستراتيجية الاستثمار في كارلايل، لشبكة CNN «لا تكمن المشكلة في الديون والعجز الضخمين فحسب، بل تكمن في أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً يعادل نحو 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بينما يكون الاقتصاد عند مستوى التوظيف الكامل ويؤدي بكامل إمكاناته».

وما يعنيه ذلك ضمناً هو أنه إذا تعرضت الولايات المتحدة للركود -ما يتطلب من الحكومة زيادة الإنفاق على برامج التحفيز حتى مع انخفاض عائدات الضرائب- «فمن المرجح أن تنظر إلى عجز قد يصل إلى تسعة أو 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي»، بحسب ما قال توماس الذي أكد أن «هذا غير مستدام على الإطلاق.»

مع تزايد العجز، يتعين على الحكومة الفيدرالية إصدار المزيد من سندات الخزانة، وهذا يعني أنه يتعين عليهم زيادة العائدات لجذب المزيد من المستثمرين، ويؤدي ذلك أيضاً إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض في الأسواق المالية، ما يضر بالنمو الاقتصادي.

وفي الشهر الماضي، قال صندوق النقد الدولي إن المستوى المرتفع والمتزايد لديون الحكومة الأميركية يهدد برفع تكاليف الاقتراض في جميع أنحاء العالم وتقويض الاستقرار المالي العالمي، وفقاً لما نقلته هانا زيادي بشبكة CNN.

وجاء هذا التحذير في أعقاب رسالة أكثر فظاظة من رئيس مكتب الميزانية في الكونغرس، الهيئة الرقابية المالية المستقلة التابعة للكونغرس الأميركي، والتي قال فيها إن الولايات المتحدة تخاطر بالدخول في أزمة سوق السندات من ذلك النوع الذي اجتاح المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس.

ويتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تدفع الفائدة على هذا الدين المتنامي، وتنفق الحكومة حالياً 2.4 مليار دولار على مدفوعات الفائدة يومياً، وفقاً لمؤسسة بيترسون.

ومن المتوقع أن تتضاعف هذه المدفوعات خلال العقد المقبل مع استحقاق سندات الخزانة الصادرة خلال فترة أسعار الفائدة القريبة من الصفر، واستبدالها بسندات ذات عوائد أعلى.

لماذا تثار أزمة الديون الآن؟

يقول 82 في المئة من الناخبين إنهم يريدون من الرئيس والكونغرس قضاء المزيد من الوقت في معالجة الديون، ويقول 80 في المئة منهم إن مستوى قلقهم زاد خلال السنوات القليلة الماضية، لكن المسؤولين الحكوميين يريدون تجنب الحديث عن زيادة الضرائب أو تخفيضها، ويصفها هوبارد بـ«الإنفاق في عام الانتخابات».

وردد توماس ذلك بقوله «هذا، على حد علمي، ليس موضوعاً كبيراً للحملة»، «وهذا يوحي أنه من المحتمل ألّا تتم معالجة الأمر».

وأضاف «إذا كان الأمر كذلك، فإن عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات يمكن أن يصل إلى 5.5 في المئة قبل أن يكون لديك الكثير من الضغوط السياسية (يبلغ العائد حالياً 4.4 في المئة)»، وقال «في ذلك الوقت كانت معدلات الفائدة على الرهن العقاري تبلغ 8 في المئة».