مع اختراقه حاجز 34 تريليون دولار تحوَّل الدين الحكومي الأميركي إلى كابوس اقتصادي مخيف، لتتعالى الأصوات المحذرة من مخاطر الدين المتفاقم على استقرار أكبر اقتصادات العالم.
وتواجه الإدارات الأميركية المتعاقبة انتقادات واسعة لعزوفها عن مواجهة المشكلة، فكلٌّ من الديمقراطيين والجمهوريين يتحدث دائماً عن أزمة الدين دون أن يقدم أي منهما حلولاً عملية لها.
وبحسب موقع وزارة الخزانة الأميركية، بلغ حجم الدين الحكومي للولايات المتحدة 34.6 تريليون دولار في منتصف مايو أيار 2024؛ أي ما يفوق قيمة الاقتصاد بأكمله، والأخطر أن تلك القيمة تنمو بنحو تريليون دولار كل 100 يوم تقريباً.
التعامل قبل فوات الأوان
وكان المليارديران جيمي ديمون -الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان– وراي داليو -مؤسس أكبر صندوق تحوط في العالم- أحدث المنضمين لقائمة المحذرين من تضخم الدين العام في الولايات المتحدة.
ففي مقابلة مع شبكة سكاي نيوز، يوم الأربعاء، أعرب ديمون عن أمله في أن تركز الحكومة الأميركية على خفض عجز الموازنة (الفارق بين النفقات والإيرادات الحكومية) قبل أن تجبرها أسواق المال على ذلك.
وقال ديمون «كلما كان التركيز أسرع، كان أفضل؛ ففي مرحلةٍ ما، ستحدث مشكلة بسبب اضطرابات أسواق المال، وحينها ستكون مجبراً على اتخاذ إجراءات غير مريحة، كان يمكن تجنبها إذا تم التعامل مع المشكلة في وقت مبكر».
ويتسبب عجز الموازنة في زيادة الدين؛ لأنه يجبر وزارة الخزانة على إصدار المزيد من السندات لسد فجوة العجز.
وأشار ديمون إلى أن الإنفاق الحكومي الهائل -خاصة خلال أزمة كوفيد-19- هو السبب وراء ازدهار النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لكن هذا الإنفاق ممول إلى حد كبير من الديون، وكانت أحد نتائجه ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية.
وقال إن الاقتراض من أجل إنعاش النمو الاقتصادي هو أمر صحي، ويمكن أن تلجأ إليه أي دولة لدعم اقتصادها، لكن يجب التركيز في الوقت ذاته على مستوى العجز المالي حتى لا يخرج الأمر عن السيطرة.
تراجع ثقة المستثمرين الدوليين
وفي مقابلة مع فاينانشال تايمز، أعرب الملياردير الأميركي راي داليو -مؤسس صندوق التحوط بريدج ووتر أسوشيتس- عن قلقه من تراجع شهية المستثمرين تجاه سندات الخزانة الأميركية -خاصة من جانب المستثمرين العالميين- في ظل قلقهم من صورة الدين العام في الولايات المتحدة.
وفي ظل هذا القلق، قد يطالب المستثمرون بعائدات أكبر على تلك السندات؛ ما يعني أعباء مالية إضافية على الموازنة، والتي ستنتقل آثارها لجميع جوانب الاقتصاد الأميركي، وهو ما حذر منه في وقت سابق كل من صندوق النقد الدولي ومكتب الموازنة في الكونغرس.
المخاطرة بمستقبل الأجيال المقبلة
وفي وقت سابق، حذر الملياردير كين غريفين -مؤسس صندوق التحوط سيتاديل، وأحد أكبر المستثمرين في العالم- من أن «تنامي الدين الأميركي والإنفاق الحكومي غير المسؤول يهددان رفاهية الأميركيين»، مشيراً إلى أن أزمة الدين المتفاقمة أصبحت مصدراً متنامياً للقلق لا يمكن تجاهله.
وفي خطابه السنوي إلى المستثمرين، قال غريفين «يجب أن نتوقف عن الاقتراض على حساب الأجيال المقبلة، فالغرب يحتاج بشكل عاجل إلى زيادة الإنتاجية لمواجهة الزيادة الهائلة في أعباء الدين والإنفاق الحكومي التي تضرب جميع الاقتصادات الرئيسية تقريباً».
وتأتي تحذيرات غريفين في وقت يحلق فيه إجمالي الدين العالمي عند مستوى قياسي يناهز 313 تريليون دولار، بحسب إحصاءات معهد التمويل الدولي.
فارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة أجبرا الحكومات والشركات على السواء على الاقتراض بصورة أكبر لتوفير التزاماتها المالية.
زعزعة الاستقرار العالمي
وكان صندوق النقد قد حذر الشهر الماضي من أن آثار أزمة الدين ستمتد خارج حدود الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الارتفاع المتواصل في قيمة الدين الحكومي الأميركي يهدد برفع أسعار الفائدة في العديد من دول العالم الأخرى؛ ما يتسبب في زعزعة الاستقرار المالي العالمي.
وتزامن مع ذلك تحذير منفصل أطلقه مكتب الموازنة بالكونغرس، قال فيه إن الولايات المتحدة قد تواجه أزمة حادة في سوق السندات على غرار ما حدث في المملكة المتحدة في عهد رئيسة الوزراء السابقة ليز تروس.
ففي ذلك الوقت، اقترحت الحكومة البريطانية خطة للتوسع في إصدار أدوات الدين من أجل تمويل النفقات الإضافية والتخفيضات الضريبية المقترحة؛ ما نتج عنه موجة بيع واسعة في سوق السندات، ودفع بنك إنجلترا للتعهد بشراء السندات الحكومية بأي حجم تقتضيه الضرورة.
وهناك العديد من المؤشرات بالفعل على أن المستثمرين يطالبون بعائدات أكبر مقابل احتفاظهم بسندات الخزانة الأميركية في ظل مخاوفهم من التداعيات المحتملة لتضخم الدين الأميركي، بحسب صندوق النقد.
ومنذ بداية العام المالي 2024 الذي بدأ في الأول من أكتوبر تشرين الأول الماضي، تجاوزت النفقات الأميركية قيمة الإيرادات بنحو 855 مليار دولار، وفي عام 2023، أنفقت الحكومة على فوائد الديون أكثر مما أنفقت على قطاع الإسكان، أو النقل، أو التعليم العالي.