منذ أبريل نيسان الماضي بدأ البنك المركزي المصري زيادة قيمة المبالغ المقبولة في عطاءاته بالسوق المفتوحة بالعملة المحلية لتزيد على تريليون جنيه في أحد عطاءاته، حيث أجمع عدد من المحللين على أن تغيير أسلوب قبول العطاءات الخاصة بالعملية الرئيسية لربط الودائع لدى المركزي، يهدف إلى محاربة ارتفاع معدلات التضخم.
وسحب البنك المركزي المصري خلال عطاء يوم الثلاثاء الماضي، سيولة بالعملة المحلية بقيمة 1.193 تريليون جنيه لأول مرة في عطاء السوق المفتوحة بفائدة 27.75 في المئة من 32 بنكاً بهدف إدارة حجم السيولة في الأسواق.
يأتي ذلك بعدما سحب البنك المركزي سيولة بقيمة تتجاوز 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات سابقة للسوق المفتوحة منذ قراره الأخير بتعديل سياسات قبول العطاءات.
ويقول منصف مرسي، رئيس قطاع البحوث بشركة سي أي كابيتال، إن قرار المركزي المصري تغيير أسلوب قبول العطاءات الخاصة بالعملية الرئيسية لربط الودائع لديه «ورفع قيمة قبول العطاءات جاء ضمن خطة سياسة البنك لتشديد السياسة النقدية والتي تهدف إلى محاربة ارتفاع معدلات التضخم».
وفي 23 أبريل نيسان 2024، قرر المركزي المصري تغيير أسلوب قبول العطاءات الخاصة بالعملية الرئيسية لربط الودائع لديه (Main Operation) من أسلوب التخصيص إلى أسلوب قبول جميع العطاءات المقدمة (Full Allotment)، على أن تُنشر نتائج كل عملية ربط على الموقع الإلكتروني للبنك المركزي المصري.
وكان المركزي المصري يعتمد فيما سبق على إجراء مزاد ثابت السعر (Fixed-rate Tender) بصورة أسبوعية، ويعلن من خلاله عن حجم العملية التي سيجريها البنك، ويقبل العطاءات بأسلوب التخصيص الذي يتحدد بناء على نسبة العطاء المقدم من قبل البنك إلى إجمالي العطاءات المقدمة، ويطبق عليها سعر العملية الرئيسية.
وأرجع البنك هذا القرار إلى حرصه على اتباع أفضل الممارسات الدولية فيما يخص إدارة فائض السيولة لدى الجهاز المصرفي وتحسين نفاذ أثر قرارات السياسة النقدية.
كما أوضح البنك في بيان أنه سيواصل إدارته للسيولة بما يحقق التوازن لضمان اتساقها مع هدفه التشغيلي، المتمثل في الحفاظ على متوسط سعر العائد المرجّح لأجل ليلة واحدة في سوق المعاملات بين البنوك.
قالت هبة منير، محلل الاقتصاد الكلي بشركة اتش سي، إن البنك المركزي رفع قيمة السيولة التي يسحبها من العملة المحلية، «في محاولة منه للسيطرة على معدلات التضخم ضمن خطته، وذلك من خلال سحب السيولة من البنوك المحلية، للحد من عمليات التوسع في إقراض الأفراد والشركات».
وخلال أبريل نيسان الماضي، تباطأ معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 32.5 بالمئة، مقابل 33.3 بالمئة في مارس، وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار 1.1 بالمئة في أبريل، مقارنة بواحد بالمئة في مارس وفقاً لبيانات نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
وتضيف منير، أن البنوك المحلية لديها فائض من السيولة بالعملة المحلية، «وذلك نتيجة لارتفاع عوائد البنوك من أدوات الدين الحكومية واستحقاق أجال بعض الشهادات الادخارية مرتفعة العائد، بالإضافة إلى ارتفاع تحويلات المصريين العاملين في الخارج»
ويقول رئيس قطاع البحوث بشركة سي أي كابيتال، إن زيادة قيمة المبالغ التي سيسحبها البنك المركزي خلال عطاءاته ستسهم في الحد من نسبة نمو المعروض النقدي خلال الشهور القليلة المقبلة، «كما ستسهم في الحد من توسع البنوك في عمليات الإقراض والتي ستسهم بالنهاية في الحد من ارتفاع معدلات التضخم».
وفي نهاية الشهر الماضي، كشفت بيانات البنك المركزي المصري عن ارتفاع المعروض النقدي (ن2) بنحو 25.39 في المئة على أساس سنوي في مارس آذار الماضي، حيث بلغ المعروض النقدي 9.98 تريليون جنيه مصري (208.79 مليار دولار) ارتفاعاً من 7.96 تريليون جنيه مصري (166.53 مليار دولار) في الشهر نفسه من العام الماضي.
وفي السادس من مارس آذار الماضي، خفّضت مصر سعر عملتها لتتخطى حاجز 45 جنيهاً للدولار الواحد مقابل نحو 31 جنيهاً قبل هذا الخفض، تزامناً مع قرر لجنة السياسة النقدية في اجتماعها الاستثنائي برفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 600 نقطة أساس ليصل إلى 27.25 في المئة، 28.25 في المئة و27.75 في المئة على الترتيب.
وقال البنك المركزي المصري في مارس آذار الماضي، إن قرار لجنة السياسة النقدية وخفض العملة سيؤدي إلى القضاء على السوق الموازية للصرف الأجنبي ما سيسهم في خفض التوقعات التضخمية وكبح جماح التضخم، وبالتالي من المتوقع أن يتبع التضخم العام مساراً نزولياً على المدى المتوسط، بعد الانحسار التدريجي للضغوط التضخمية المقترنة بتوحيد سعر الصرف.
ووفقاً لبيان لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي المصري خلال الشهر الحالي، تفيد التوقعات بأن التضخم سوف يشهد اعتدالًا خلال عام 2024 مع انحسار الضغوط التضخمية، خاصة أنه قد بلغ ذروته بالفعل.
وأضاف البيان أنه من المتوقع أن ينخفض التضخم بشكلٍ ملحوظ خلال النصف الأول من 2025 نتيجة تضافر عدة عوامل ومنها تقييد السياسة النقدية، وتوحيد سوق الصرف الأجنبي، والأثر الإيجابي لفترة الأساس.
علاوة على ذلك، سوف تسهم عدة أمور في تحقيق استقرار الأسعار؛ منها تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الكبيرة، والتحسن الملحوظ في بيئة التمويل الخارجي، وتأثيرهما الإيجابي على بناء احتياطي النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الطلب المحلي والأجنبي المتزايد على الأصول المقومة بالجنيه المصري.
ومن شأن التطورات الأخيرة في سعر الصرف أن تدعم تقييد الأوضاع النقدية، ما سيعمل على تثبيت التوقعات التضخمية واحتواء آفاق التضخم المستقبلية.