في قلب مومباي، إحدى أكبر مدن الهند وأكثرها صخباً، يقع حي دارافي، الذي يُعد أحد أكبر الأحياء الفقيرة في آسيا. ومنذ أكثر من نصف قرن، تحول هذا المستنقع القديم إلى مركز صاخب للصناعات الصغيرة والتجارة، ومأوى لمليون نسمة يسكنون في ظروف بالغة الصعوبة، واليوم يقف دارافي على أعتاب تغيير جذري، تحت إشراف أحد أغنى رجال العالم، غوتام أداني.
يسعى أداني لتحويل هذا الحي الفقير إلى مدينة عصرية تعكس طموحات الهند الحديثة، فهل ستتحقق وعود التنمية والتحسين، أم سيواجه السكان مخاطر فقدان منازلهم وسبل عيشهم؟ هذا هو التحدي الذي ينتظر دارافي وأهلها في الأيام القادمة.
كيف تحوَّل المستنقع لمركز للصناعات الصغيرة؟
عندما وصل معصوم علي شيخ إلى مومباي عام 1974، كانت المنطقة التي أنشأ فيها متجره عبارة عن مستنقع مليء بالقمامة، وبعد خمسين عاماً أصبحت تلك المنطقة تُعرف بـ«دارافي»، أحد أكبر الأحياء الفقيرة وأكثرها نشاطاً في آسيا، ويقطنها نحو مليون نسمة.
وخلال هذه الفترة، تحولت هذه الأرض إلى حي فقير مترامي الأطراف يعمل فيه عدد كبير من الهنود في مختلف الصناعات الصغيرة التي تتراوح من المخابز إلى محلات الجزارة والحلاقة.
وتعد دارافي مركزاً صاخباً للصناعات الصغيرة، وتضم مجموعة متنوعة من الحرفيين والمهاجرين الذين جلبوا مهاراتهم من مختلف ولايات الهند، وعلى الرغم من الظروف الصعبة، نجح العديد منهم في بناء أعمال تجارية ناجحة تُدر عائدات تقدر بمليار دولار سنوياً.
لكن هذا الواقع قد يتغير قريباً، إذ يخطط الملياردير غوتام أداني لإعادة تطوير دارافي.
أداني، الذي يُعتبر أحد أغنى الرجال في آسيا، فاز بمناقصة قيمتها 612 مليون دولار لتحويل دارافي إلى مدينة حديثة تعكس الهند المتقدمة، ووعد بتوفير مساكن جديدة ومرافق أفضل لسكان المنطقة.
المشكلات الحالية في دارافي
رغم النشاط الصناعي والتجاري، تعاني دارافي مشكلات عديدة مثل الازدحام الشديد وسوء الصرف الصحي، ويفتقر العديد من السكان إلى المياه الجارية والمراحيض النظيفة، ما يؤدي إلى مشكلات صحية مزمنة.
كما أن الهواء في بعض المناطق مشبع بالغبار والدخان الناتج عن الورش والمصانع الصغيرة.
رؤية أداني لإعادة التطوير
يخطط غوتام أداني، مؤسس مجموعة أداني، لتحويل دارافي إلى مدينة حديثة ذات مستوى عالمي.
وكتب أداني على موقع شركته على الإنترنت «لقد بدأ فصل جديد من الفخر، إنها فرصة تاريخية لنا لإنشاء دارافي جديدة من الكرامة والأمان والشمول».
ووعد الملياردير الذي يعد واحداً من أغنى أغنياء العالم، بأن المشروع سيعكس الهند المتنامية والواثقة من نفسها.
تحديات إعادة التطوير
واجهت دارافي عدة محاولات فاشلة لإعادة التطوير في الماضي بسبب التعقيدات السياسية والاجتماعية.
ويقدر بعض الخبراء أن تنفيذ مشروع بهذا الحجم يتطلب سنوات عديدة وتعاوناً وثيقاً بين الحكومة والمطورين والسكان، ومن المتوقع أن يستغرق استكمال مشروع أداني سبع سنوات.
خطة إعادة الإسكان
وفقاً للخطة، ستتم «إعادة تأهيل وإعادة توطين» نحو مليون شخص في دارافي؛ سيحصل سكان الطابق الأرضي الذين عاشوا في دارافي قبل عام 2000 على وحدات سكنية مجانية داخل المنطقة.
أما سكان الطوابق العليا أو أولئك الذين عاشوا هناك بين عامي 2000 و2011 فسيحصلون على منازل بعد دفع مبلغ مالي، والأشخاص الذين انتقلوا إلى دارافي بعد عام 2011 سيحصلون على مساكن مقابل إيجار.
ردود فعل السكان
أثار إعلان إعادة التطوير ردود فعل متباينة بين سكان دارافي؛ بعض السكان متفائلون ومستعدون للتغيير، بينما يخشى آخرون فقدان منازلهم وأعمالهم، وخرجت بعض الاحتجاجات في شوارع دارافي تعبيراً عن القلق من تأثير الخطة على حياة الناس.
كما أن هناك قلقاً بشأن أهلية الحصول على مساكن جديدة، إذ يفتقر العديد من السكان إلى الوثائق الرسمية التي تثبت حقوقهم في الإقامة.
الرهان على مستقبل أفضل
على الرغم من المخاوف والشكوك، يأمل العديد من سكان دارافي في أن تؤدي عملية إعادة التطوير إلى تحسين حياتهم، فيقول صانع الفخار دانشوك بورشوتاموالا «إذا أعاد أداني تطوير دارافي فسيكون ذلك جيداً بالنسبة لنا لأننا لا نريد البقاء في دارافي لفترة أطول».
في النهاية، تظل دارافي رمزاً للتحديات والفرص في الهند الحديثة.. إن نجاح أو فشل خطة أداني سيحدد مستقبل هذا الحي الفقير، وقد يكون له تأثير كبير على حياة الملايين من سكانه.
(جيسي يونغ CNN)