بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الخميس، بالرئيس السوري بشار الأسد في الكرملين، تشهد ديناميكيات التجارة والاستثمار بين روسيا وسوريا تحولاً كبيراً، إذ تتجه روسيا، التي تواجه عقوبات غربية مستمرة، نحو تعزيز علاقاتها التجارية في الشرق الأوسط، مع ظهور سوريا كشريك رئيسي.
بالنسبة لسوريا، التي تعاني من سنوات من الصراع وفي حاجة ماسة إلى إعادة البناء، فإن الاستثمار والتجارة الروسية يشكلان شريانين حياة حيويين، وبالنسبة لروسيا لا تعد سوريا وجهة تصدير مهمة فحسب، بل تعد أيضاً حليفاً استراتيجياً في استراتيجيتها الأوسع في الشرق الأوسط.
تشير الأرقام التجارية المتنامية والمشاريع الاستثمارية، خاصة في البنية التحتية والطاقة، إلى تعزيز التحالف الاقتصادي، وهذا على خلفية عمليات إعادة التنظيم العالمية، إذ تتطلع روسيا بنشاط إلى تعزيز وجودها الاقتصادي في مناطق بعيدة عن متناول النفوذ الغربي المباشر.
كانت وزارة الخزانة الروسية ووزارة المالية السورية وقعتا اتفاقية تعاون حول تطوير عمل أنظمة وزارة المالية السورية في أكتوبر تشرين الأول 2022، وفق ما ذكرت وكالة «سانا» السورية.
ووقتها، أكد معاون وزير المالية السوري منهل هناوي أن الاتفاقية تسهم في تطوير عمل الوزارة، خاصة أن التجربة الروسية ونظامها المالي «متطور وعصري» على حد وصفه، لافتاً إلى أن وزارة المالية السورية بحاجة للانتقال إلى نظام إدارة مالية متكامل أكثر تطوراً.
العلاقات التجارية والاستثمارية الحالية
بعد نموها ثلاثة أضعاف في عام 2021، نمت أحجام التجارة بين موسكو ودمشق بنسبة 7 في المئة إضافية في عام 2022، وأكد ألكسندر يفيموف، السفير الروسي في سوريا، على هذا النمو، ما يشير إلى تكثيف العلاقات الاقتصادية على الرغم من الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية.
بلغت قيمة صادرات روسيا إلى سوريا 594.44 مليون دولار خلال عام 2021، مقارنة بصادرات بلغت 234 مليون دولار عام 2019. وعلى الرغم من عدم توفر معلومات مفصلة لعام 2022، فإن عناصر التصدير الرئيسية إلى سوريا في السنوات السابقة شملت القمح والصلب والحديد وزيوت البذور والمركبات الصناعية ومضخات الهواء والمنتجات الصيدلانية، وفقاً لـ«ميدل إيست بريفينغ».
على الجانب السوري، وفي حين لا تتوفر بيانات محددة، شملت الصادرات الرئيسية للبلاد المعادن والمواد الكيميائية وفوسفات الكالسيوم الطبيعي والزيتون والقطن والمكسرات والبذور والتوابل والخضراوات والفواكه والتوت.
خلال السنوات الماضية، كانت هناك مشاريع واسعة النطاق، لا سيما في البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك إعادة إعمار ميناء طرطوس، وتحديث مصنع لإنتاج الأسمدة في حمص، وترميم العديد من حقول النفط والغاز ومؤسسات المعالجة، وتجلت العلاقة المزدهرة بين روسيا وسوريا بشكل أكبر من خلال الاجتماع بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مارس آذار 2023، ما يدل على التحرك نحو مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية.
وخصصت روسيا 40 مشروعاً استثمارياً آخر داخل سوريا، تستهدف القطاعات المحورية لإعادة إعمار البلاد، وتشمل هذه القطاعات الطاقة، التي تشمل الكهرباء والنفط، والبنية التحتية للنقل، والإسكان، والتنمية الصناعية، وهذه المشاريع ليست مخصصة للاستثمار فحسب، بل ترافقها آليات المراقبة وضمان نجاح المبادرات.
وفي سبتمبر أيلول العام الماضي، وقعت روسيا وسوريا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في القطاعين الدوائي والطبي، وسيركز هذا التعاون على تطوير وتصنيع وتوريد الأدوية والمنتجات الطبية، وستشمل الشراكة البحث العلمي المشترك للأدوية الجديدة، وتعزيز إمكانية الوصول إلى الأدوية، وتنفيذ مشاريع استثمارية مشتركة في تصنيع الأدوية.
ومن المتوقع أن تزداد طبيعة تعاون روسيا مع سوريا جنباً إلى جنب مع الفرص الناشئة عن جهود إعادة الإعمار المكثفة في سوريا.
وتقدر الأمم المتحدة أن إعادة إعمار سوريا ستستغرق من 10 إلى 15 عاماً، وستتطلب ما لا يقل عن 400 مليار دولار، وسيفتح هذا المزيد من الفرص للاستثمار في قطاعات تشمل الطاقة والبنية التحتية وإعادة الإعمار، ومع ذلك فإن هذا لا يخلو من المخاطر نظراً لأن أكثر من ثلث أراضي البلاد لا تزال خارج سيطرة الحكومة، فضلاً عن العقوبات المستمرة.