رغم إجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي على أن الصين تشكل تحدياً كبيراً للأمن القومي في الولايات المتحدة، فإن هناك اختلافاً طفيفاً بين السياسة المتوقعة تجاه الصين في عهد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، فمن تفضل بكين؟

وصف المسؤولون الحكوميون في الصين الانتخابات الأميركية بأنها «شأن داخلي لأميركا»، وفي مؤتمر صحفي في يوليو تموز 2024، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية لين جيان أن الصين «لم ولن تتدخل أبداً في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة»، لكنها ستواصل التمسك بسيادتها على جزيرة تايوان وموقفها من النزاع الإقليمي مع الفلبين في بحر الصين الجنوبي.

أما في توتراتها مع الولايات المتحدة بشأن التجارة والتكنولوجيا، فتركز الصين على الإجراءات المضادة المدروسة وتسعى إلى مضاعفة جهودها في الاكتفاء الذاتي وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في التجارة الخارجية من خلال عقد شراكات متعددة مع بقية دول العالم، خاصة أن أميركا تعتبر أكبر سوق للصادرات الصينية.

تصعيد الحرب التجارية بين ترامب وبايدن

اتبعت إدارة ترامب الأولى نهجاً أكثر تصادمية في العلاقات مع بكين، وهو ما وجده العديد من المراقبين الصينيين محيراً، وبدلاً من التعامل مع الصين باعتبارها شريكاً تجارياً ومنافساً في بعض الأحيان، بدأت الولايات المتحدة تطلق عليها وصف «القوة الرجعية»، ومنافس استراتيجي، بل واعتبرتها تهديداً للأمن القومي.

وعلى مدار عامي 2018 و2019، رفع ترامب التعريفات الجمركية ضد الصين بشكل متصاعد حتى شملت 300 مليار دولار من البضائع، ما يعني أن كل ما تستورده الولايات المتحدة من الصين يواجه الآن رسوماً جمركية.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه رغم التغييرات في اللهجة، فقد عززت إدارة جو بايدن هذا النهج، بل وذهبت به إلى أبعد من ذلك في بعض القضايا، وفي أكتوبر 2022، فرضت إدارة ترامب قيوداً شاملة على صادرات رقائق الحوسبة المتقدمة الأميركية الصنع والمعدات ذات الصلة إلى الصين.

ثم في مايو 2024، رفع بايدن التعريفات الجمركية على بضائع صينية بقيمة 18 مليار دولار، بما في ذلك السيارات الكهربائية والبطاريات وأشباه الموصلات والصلب والألومنيوم والمعادن المهمة والخلايا الشمسية والرافعات من السفينة إلى الشاطئ والمنتجات الطبية، مع الإبقاء على التعريفات الجمركية المفروضة في عهد ترامب.

ولا يتوقع الخبراء تغيراً في سياسة هاريس التجارية تجاه الصين، لذا يبدو أن هناك إجماعاً بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن على ضرورة التعامل مع الصين الآن باعتبارها خصماً رئيسياً على الصعيد التجاري، ولكن في ما يخص التوجهات السياسية نحو تايوان، قد يكون هناك اختلاف واضح بين المنافسين.

هاريس وترامب.. وتايوان

كان الرئيس الصيني شي جين بينغ واضحاً بشكل لا لبس فيه في أن جزيرة تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي ستتحد في نهاية المطاف مع البر الرئيسي للصين، ومع ذلك، أوضح بايدن -باستمرار- أنه على استعداد لاتخاذ خطوة تزويد تايبيه بالدعم إذا لزم الأمر.

وتشعر بكين بالقلق من أن كامالا هاريس قد تتبع نهج الإدارة الحالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بوعد الرئيس جو بايدن بحماية تايوان، وبحسب مجلس العلاقات الخارجية، فإن الصين قد تفضل أن يكون دونالد ترامب الزعيم الأميركي المقبل بسبب هذه القضية، فرغم عدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته، فإنه من المرجح أن يسحب ترامب الولايات المتحدة بعيداً عن الصراعات الجيوسياسية، وهو ما يصب في صالح الصين.

وقال مجلس العلاقات الخارجية الأميركي في تقرير، «نظراً لولع ترامب بعقد الصفقات، فقد يقرر متابعة اتفاقيات ثنائية مع بكين بشأن السلع الاستهلاكية والطاقة والتكنولوجيا باستخدام قضية تايوان كورقة مساومة لكسب النفوذ في مجالات أخرى، مثل عرض كبح تصرفات تايوان الاستفزازية مقابل تسوية بكين بشأن التجارة».

ومع ذلك، من غير المرجح أن توافق الصين على مثل هذه الصفقة، وقد يعارضها مستشارو ترامب في مجال السياسة الخارجية أيضاً، ولكن مع تفضيل ترامب الدبلوماسية الثنائية على التعددية، فقد يكون المرشح الجمهوري أقل قدرة على حشد الحلفاء والشركاء ضد الصين وقد يسعى إلى تسوية منفصلة للولايات المتحدة مع روسيا، الشريك الاستراتيجي القوي للصين.

على جانب آخر، رجح المجلس أن تسير إدارة هاريس على نهج بايدن، في تكثيف المنافسة الاستراتيجية مع بكين وتعزيز جهود بناء تحالف من الدول الغربية والآسيوية لمواجهة الصين، ودعم تايوان، وهو ما يثير غضب الصين، ولكن مقارنة بسياسة ترامب المتقلبة، فمن المرجح أن تظل استراتيجيات هاريس أكثر تنظيماً وقابلية للتنبؤ بها.

إلى متى تستمر الحرب التجارية؟

بحسب دراسة أجرتها جامعة روتشستر في يوليو تموز 2024، هناك احتمالية بنسبة 17 في المئة فقط لانتهاء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في عام 2025، وتبرز هذه النسبة الضعيفة احتمالية استمرار الحرب لأربع أو خمس سنوات أخرى على الأقل.

ومع ذلك، أشارت الدراسة إلى أنه لا تزال الاحتمالية قائمة ويمكن أن يحدث شيء يغير الوضع بأكمله كما حدث في عام 1971 عندما رفع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون الحظر التجاري الذي فُرض على الصين لمدة 21 عاماً، لكن ليس من الواضح بعد ما العوامل التي يمكن أن تنهي الحرب التجارية الحالية.

وينتظر الخبراء الاقتصاديون في بكين المناظرة الرئاسية المنتظرة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب في سبتمبر أيلول 2024، بهدف الحصول على أي دلائل تتعلق بسياسة المرشحين تجاه الصين، وما يخططان له في فترة ولايتهما وبخاصة في ملف التجارة والتوترات الجيوسياسية في تايوان.