تسابق الولايات المتحدة وأوروبا لتضييق صدارة الصين في مجال تكنولوجيات الطاقة النظيفة، من خلال تقديم إعانات الدعم للمصنعين المحليين وزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية.

وتمثّل هيمنة الصين في سلاسل إمدادات الطاقة النظيفة معضلة للحكومات التي تحاول جعل اقتصاداتها صديقة للبيئة وتحقيق الأهداف المناخية السريعة، مع حماية صناعات بأكملها وآلاف الوظائف من طوفان الواردات الرخيصة التي تقودها الصين.

وبدون السيارات الكهربائية، والألواح الشمسية، وتوربينات الرياح، والبطاريات في الصين، فإن الحد من التلوث الناجم عن تسخين الكوكب قد يستغرق وقتاً أطول، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة التكاليف على الشركات والمستهلكين، وهي المنتجات التي تعتمد على الطاقة النظيفة.

الغرب بين روسيا والصين

وفقاً لما ذكره الخبراء، فإن الغرب يتعين عليه أن يتجنب تكرار خطأ أوروبا المتمثل في الاعتماد المفرط على مورد واحد، عندما اعتمد على روسيا للحصول على الغاز الرخيص، وعليه ألّا يكرر الأمر في الاعتماد على الصين في الطاقة النظيفة، إذا كان يريد الحصول على المكافآت الاقتصادية التي تأتي من تطوير تقنيات المستقبل الخاصة به.

وقالت مارجريت فيستاجر، رئيسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، في أبريل نيسان الماضي، عندما أعلنت إجراء تحقيق في الأمر: «لقد رأينا قواعد اللعبة التي تحكم كيفية سيطرة الصين على صناعة الألواح الشمسية من خلال منح إعانات ضخمة للموردين المحليين، في حين إغلاق السوق المحلية أمام الشركات الأجنبية، والنتيجة هي أنه في الوقت الحاضر يتم إنتاج أقل من 3% من الألواح الشمسية المثبتة في الاتحاد الأوروبي في أوروبا».

وأضافت: «لا يمكننا أن نرى ما حدث على الألواح الشمسية يحدث مرة أخرى على السيارات الكهربائية أو طاقة الرياح أو الرقائق الأساسية».

ويؤدي تصاعد المنافسة العالمية في مجال التكنولوجيات الخضراء إلى زيادة التوترات بين الصين وشركائها التجاريين الرئيسيين، فيما تبنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي موقفاً متشدداً بشأن الواردات من الصين، حيث رفعت واشنطن الرسوم الجمركية ليس فقط على المركبات الكهربائية في البلاد، ولكن أيضاً البطاريات والألواح الشمسية والمعادن الحيوية.

وقال فاتح بيرول، الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، للصحفيين في مكالمة هاتفية حديثة: «إن المنافسة على المركز في اقتصاد الطاقة النظيفة شرسة، لأنها لا تتعلق بالضرورة بمخاوف تغير المناخ فقط، بل إنها مدفوعة بمخاوف السياسة الصناعية: مَن سيحصل على القيادة في الفصل التالي من التكنولوجيا الصناعية».

الطاقة النظيفة قوة عظمى

في الوقت الراهن، تقود الصين السباق، وفي العام الماضي استحوذت البلاد على ثلاثة أرباع الاستثمار العالمي في تصنيع التكنولوجيا النظيفة، على الرغم من انخفاض ذلك من 85% عام 2022، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

وهذا العام، تسير الصين على الطريق الصحيح لاستثمار 676 مليار دولار في الطاقة النظيفة بشكل عام، وسط طلب قوي على الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم والمركبات الكهربائية، وهذا أكثر من ضعف استثمارات الولايات المتحدة المتوقعة البالغة 315 مليار دولار، ويفوق بكثير استثمارات الاتحاد الأوروبي البالغة 370 مليار دولار.

وحوّلت هذه الاستثمارات الضخمة الصين إلى المورد الأكبر والأقل تكلفة في العالم للعديد من التقنيات والمعادن الحيوية اللازمة للتحول إلى الطاقة النظيفة.

ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، أنتجت شركات صناعة السيارات الصينية أكثر من نصف جميع السيارات الكهربائية المبيعة في جميع أنحاء العالم العام الماضي، وتتركز القدرة التصنيعية العالمية للسيارات الكهربائية وبطاريات الاستخدام الصناعي، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية أيضاً في الصين.

وتظهر صورة مماثلة عندما يتعلق الأمر بالمعادن الحيوية الضرورية للمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات الخضراء، إذ تتم أكثر من نصف المعالجة العالمية للليثيوم والكوبالت في الصين، كما يحدث تقريباً في كل عمليات تكرير الجرافيت، المستخدم في المركبات الكهربائية، والأتربة النادرة، الضرورية لمولدات توربينات الرياح.

إن احتكار الصين الفعلي لمعالجة بعض المعادن المهمة يأتي مع مخاطر خاصة على التحول الأخضر العالمي، ففي العام الماضي فرضت الصين ضوابط على تصدير الغاليوم والجرمانيوم؛ وهي عناصر أرضية نادرة ضرورية لتصنيع الرقائق الذكية، رداً على القيود التي فرضتها الولايات المتحدة وهولندا واليابان على صادرات بعض معدات أشباه الموصلات إلى الصين.

كما شددت بكين في وقتٍ لاحق قبضتها على إمدادات الجرافيت المستخدم في السيارات الكهربائية.

تباطؤ عملية التحول

لم تُخفِ الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حقيقة أنها تريد تصدير المزيد من ثلاثة منتجات، وهي: المركبات الكهربائية، وبطاريات الليثيوم، والألواح الشمسية، إلى البلاد المختلفة.

ولكن عند الإعلان عن زيادات كبيرة في التعريفات الجمركية على المركبات الكهربائية القادمة من الصين في يونيو حزيران الماضي، قالت الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي: «لا يمكن أن يعتمد التحول الأخضر للاتحاد الأوروبي على واردات (مدعومة) غير عادلة على حساب صناعة الاتحاد الأوروبي».

وفي حين أن التعريفات الجمركية قد تحمي المصنعين المحليين، إلّا أن الخبراء يقولون إنها قد تضر بالتحول إلى الطاقة الخضراء، فضلاً عن زيادة التكاليف للشركات.

وكتب الأكاديميين ديفيد ج. فيكتور، ومايكل ر. ديفيدسون، في بحثٍ حديثٍ لمؤسسة بروكينغز: «ليس هناك شك في أن العالم أصبح يعتمد بشكل مفرط على الصين، وخاصة في المكونات الخام لاقتصاد الطاقة النظيفة، لكن الطريقة الصحيحة للرد على الهيمنة الصينية ليست بفرض تعريفات جمركية واسعة النطاق».

ويجادل الأكاديميون بأن التعريفات الجمركية عبر الصناعات بأكملها، مثل تلك التي تبنتها واشنطن، تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الواردات الصينية، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على أي شخص يريد استخدام الألواح الشمسية أو البطاريات لتقليل الانبعاثات.

وقال فيكتور، أستاذ الابتكار والسياسة العامة في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، لشبكة CNN، إن محاولة التحول إلى البيئة من دون الصين سوف تبطئ عملية التحول للطاقة النظيفة وهذا أمر سيئ للبيئة.

وعلى نحو مماثل، حذّر كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه جورينشاس في الشهر الماضي من أن الزيادة الأخيرة في التعريفات الجمركية في أوروبا وغيرها من تدابير الحماية قد تزيد من صعوبة تنسيق السياسات التي تعالج التحديات العالمية، مثل التحول المناخي.

ووفقاً لتقرير نشره معهد ماكينزي العالمي يوم الأربعاء، فإن أي تأخير في التحول إلى الطاقة النظيفة سيتسبب في خسائر فادحة على الكوكب، لأن نشر التقنيات منخفضة الانبعاثات في جميع أنحاء العالم لا يتجاوز نحو 10% من المستوى المطلوب للوصول إلى صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر بحلول عام 2050، وهو الهدف الذي يقول العلماء إنه يجب على العالم تحقيقه، لتجنب تغيّر المناخ الكارثي.

وفي الوقت نفسه، تستمر تكاليف تغيّر المناخ في التصاعد، خاصة في ظل زيادة الكوارث الطبيعية، وبالتالي تكون البلدان الأكثر فقراً هي الأكثر تضرراً.

ما وراء تعريفات الاتحاد الأوروبي

قال فيكتور، أستاذ الابتكار والسياسة العامة في جامعة كاليفورنيا سان دييغو، إنه من أجل حماية البيئة والوظائف المحلية، ينبغي لصناع السياسات الغربيين أن يركزوا تدابيرهم على المجالات التي توجد فيها مخاوف حقيقية تتعلق بالأمن القومي، مثل صناعة أشباه الموصلات المتقدمة وبعض تقنيات الذكاء الاصطناعي.

وأضاف: أنها «لا تشمل تصنيع الألومنيوم، أو تكرير النحاس، أو سلسلة توريد الليثيوم.. نحن بحاجة إلى تقليل متطلبات النقل الداخلي بشكل جذري للمعادن الحيوية».

وأكد فيكتور، أنه يتعين على الحكومات أيضاً توجيه الاستثمار نحو الابتكار والتكنولوجيات الناشئة، بدلاً من دعم الصناعات القائمة، بما في ذلك الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، كما فعل قانون خفض التضخم الأميركي.

وتابع: «عندما يتعلق الأمر بالمعادن اللازمة للتكنولوجيات الخضراء، علينا أن نفعل ما نفعله في جميع أسواق السلع الأساسية، وهو التنوع في العرض».

ويدعو بيرول في وكالة الطاقة الدولية أيضاً إلى سياسات تجارية تعمل على تنويع سلاسل التوريد مع تقليل مخاطر التأخير في التحول إلى الطاقة النظيفة، قائلاً: «في الوقت الحالي هناك تركيز كبير على تصنيع البطاريات، وهذا يمثل تحدياً مهماً للدول فيما يتعلق بأمن الطاقة (لأسباب)، والقدرة التنافسية (لأسباب) وغيرها».

وأضاف بيرول، أن وكالة الطاقة الدولية تدعم بقوة التنويع عندما يتعلق الأمر بمصادر الطاقة والشركاء التجاريين، معلقاً: «لا تضع كل بيضك في سلة واحدة عندما يتعلق الأمر بالطاقة».