في ظل الأجواء الاقتصادية العالمية المضطربة، تتزايد المخاوف من احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في مرحلة ركود.

هذه المخاوف تفاقمت بعد صدور بيانات اقتصادية مؤخراً أشارت إلى تباطؤ ملحوظ في نمو الوظائف، حيث أظهر تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر يوليو نمواً أقل من المتوقع، ما أثار قلقاً واسعاً في الأسواق المالية وأدّى إلى عمليات بيع مكثّفة للأسهم في بداية الشهر.

ورداً على هذه البيانات، قامت غولدمان ساكس في البداية برفع احتمالية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الأشهر الـ12 المقبلة من 15% إلى 25%، لكن بعد فترة وجيزة، وبناءً على بيانات اقتصادية جديدة، تراجعت غولدمان ساكس عن توقعاتها وخفّضت نسبة احتمالية الركود إلى 20%، مشيرة إلى أن البيانات الجديدة «لا تظهر أي علامات على حدوث ركود».

لتسليط الضوء على هذه التباينات في التوقعات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية وتأثيرها المحتمل على منطقة الشرق الأوسط وفرص الاستثمارية، أجرت CNN الاقتصادية مقابلة مع شيفانش راشيت، رئيس شركة «هيدج آند ساكس لإدارة الأصول»، لمعرفة وجهة نظره حول الوضع الاقتصادي الحالي وكيفية تأثيره في استراتيجيات الاستثمار في المنطقة.

الاقتصاد الأميركي وتوقعات الفيدرالي

أفاد راشيت بأن الاقتصاد الأميركي يمر بفترة من عدم اليقين، مع تزايد المخاوف من تباطؤ اقتصادي قد يتحول إلى ركود، ولفت إلى أن سوق العمل الأميركي الذي يعتبر مؤشراً حيوياً على صحة الاقتصاد، قد أظهر علامات تباطؤ واضحة، ما أثار قلق المستثمرين.

وأشار راشيت إلى أن الاحتياطي الفيدرالي يلعب دوراً محورياً في تحديد مسار الاقتصاد الأميركي من خلال سياساته النقدية.. ومع توقعات خفض أسعار الفائدة مرتين عام 2024.

ويرى راشيت أن هذه الخطوة قد تكون سيفاً ذا حدين؛ فمن ناحية، يمكن أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تحفيز النشاط الاقتصادي من خلال تقليل تكاليف الاقتراض، ما يدعم الإنفاق الاستثماري والنمو الاقتصادي، ومن ناحية أخرى، فإن هذا الإجراء قد يشير إلى أن الفيدرالي قلق بشأن ضعف الاقتصاد، ما قد يزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق.

وأوضح راشيت أن «التقلبات في السوق المالية أصبحت أكثر تعقيداً في الوقت الحالي، حيث لم تعد الأسواق تستجيب بشكل تقليدي للسياسات النقدية.. ففي الماضي، كان خفض أسعار الفائدة يؤدي عادةً إلى انتعاش الأسواق المالية، ولكن الآن ومع التغيرات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية العالمية، أصبحت ردود أفعال السوق غير متوقعة».

وأضاف راشيت أن المستثمرين والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة يواجهون تحديات كبيرة في ظل هذه الظروف، حيث يجب عليهم إعادة تقييم استراتيجياتهم الاستثمارية واتخاذ قرارات مدروسة لتجنب المخاطر المرتبطة بتقلبات السوق، وأكد أن «إدارة الأصول أصبحت تتطلب فهماً أعمق للعوامل المؤثرة في الأسواق، بما في ذلك السياسات النقدية والجيوسياسية، لضمان تحقيق عوائد مستدامة في مثل هذه الأوقات العصيبة.»

تأثير الاقتصاد الأميركي في منطقة الشرق الأوسط

وفي ما يتعلق بتأثير هذه التطورات على منطقة الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج، أشار راشيت إلى أن العلاقة بين الاقتصاد الأميركي والمنطقة تظل قوية، ولكنها تواجه تحديات جديدة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية، وأوضح أن دول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، ترتبط اقتصادياً بشكلٍ وثيق بالولايات المتحدة، حيث يعتمد جزء كبير من اقتصادها على الاستثمارات والتجارة مع الولايات المتحدة.

وأضاف راشيت أن التوقعات الاقتصادية في الولايات المتحدة تؤثّر بشكلٍ مباشر في دول المنطقة، لا سيما في مجالات مثل العقارات والتمويل، وأوضح أن «خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد يكون له تأثير إيجابي على سوق العقارات في دول الخليج، حيث يمكن أن يؤدي إلى انخفاض تكاليف الاقتراض وزيادة الاستثمارات في القطاع العقاري».

وأشار إلى أن الإمارات قد تستفيد من هذه التطورات من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الولايات المتحدة، وأوضح أن «أبوظبي، على وجه الخصوص، أصبحت وجهة جذابة للمستثمرين الدوليين، مع توجه العديد من صناديق الاستثمار الأمريكية نحو السوق الإماراتي في السنوات الأخيرة.. وهذا التوجه يعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين ويفتح أبواباً جديدة للنمو الاقتصادي في المنطقة.»

التحديات الجيوسياسية وآفاق المستقبل

ومع ذلك، أكد راشيت أن التحديات الجيوسياسية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتوترات الشرق الأوسط، تشكّل ضغطاً على الأسواق العالمية والإقليمية، وأوضح أن هذه التحديات تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل الاقتصاد العالمي، حيث إن أي تصعيد في التوترات يمكن أن يؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسواق المالية، ما يزيد من مخاطر الاستثمار.

واختتم راشيت حديثه بالتأكيد على أن المستثمرين في المنطقة يجب أن يكونوا حذّرين وأن يعتمدوا على استراتيجيات استثمارية مدروسة لمواجهة هذه التحديات، وأشار إلى أن «الفترة المقبلة ستتطلب مزيداً من المرونة والقدرة على التكيُّف مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية، لضمان تحقيق النجاح في بيئة استثمارية غير مستقرة».