تواجه المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس أهم عائق في سباق الرئاسة الأميركية، وهو مناظرة دونالد ترامب، المنافس الجمهوري الأكثر هجوماً في العصر الحديث، في أول لقاء مباشر بين المرشحين منذ تنحي الرئيس بايدن عن السباق الانتخابي.
ويترقب الملايين متابعة البث المباشر للمناظرة الرئاسية صباح يوم الأربعاء 11 سبتمبر 2024 في الساعة 1:00 صباحاً بتوقيت غرينتش عبر منصات شبكة ABC نيوز، بينما يحاول المرشحان الفوز بالسباق خلال 90 دقيقة من الجدال حول الملفات الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة.
ورغم أن المناظرات الرئاسية عادةً لا تقرر الفائز بالانتخابات، ولكن الليلة تمثّل أفضل فرصة متبقية لهاريس لإثبات قدرتها على إحباط عودة تاريخية لترامب إلى البيت الأبيض، وبينما شارك الرئيس السابق في ثلاث مناظرات رئاسية في ثلاث انتخابات منفصلة، ستكون هذه أول مغامرة لهاريس على منصة المناظرة منذ تحديها لنائب الرئيس السابق، مايك بنس، عام 2020.
أهم الملفات الاقتصادية في المناظرة
يسعى كل من ترامب وهاريس إلى محاولة جذب الناخبين قبل ما يُتوقع أن تكون منافسة متقاربة في نوفمبر تشرين الثاني، بينما يقيّم الناخبون آراء المرشحين حول الاقتصاد الأميركي، والتوترات الجيوسياسية، وملف الهجرة، وأزمة تغيّر المناخ من بين الملفات الأخرى.
وفي استطلاع تلو الآخر، أشار الأميركيون إلى أن الاقتصاد هو مصدر قلقهم الأكبر، وبالتالي فإن خطة تعامل المرشحين مع التضخم المرتفع لسنوات سيكون محدداً رئيسياً في اختيار الرئيس القادم.
ورغم أن التضخم قد تباطأ بشكلٍ كبير منذ أن وصل إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً في عام 2022، فإن الأميركيين يدفعون الآن نحو 20 في المئة أكثر مقابل السلع والخدمات مقارنة بما كان عليه قبل جائحة كورونا، وفقاً لحسابات CNN.
على الجانب الآخر، فإن سوق العمل، الذي كان أكبر مصدر لمرونة الاقتصاد الأميركي منذ الجائحة، خاصة في الفترة الماضية، إذ يحوم معدل البطالة بالقرب من أعلى مستوياته منذ ثلاث سنوات، ويتجه أصحاب العمل لتقليص الوظائف، مع انخفاض عدد الوظائف الشاغرة في جميع أنحاء الاقتصاد إلى أدنى مستوى منذ يناير 2021، وفقاً لوزارة العمل.
واستجابةً لمخاوف الأميركيين بشأن الاقتصاد، طرحت نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب مقترحات سياسية مختلفة إلى حد كبير على الطاولة، ومن المقرر أن يسلطوا الضوء عليها خلال المناظرة الرئاسية صباح الأربعاء، لذا يراقب الناخبون تعليقاتهم حول ما يمكن أن يحدث للتضخم والوظائف والعجز إذا فاز ترامب أو هاريس في نوفمبر.
سلاح ترامب: الهجوم
واصلت حملة ترامب التلميح يوم الاثنين إلى أن استراتيجية الرئيس السابق في المناظرة ستكون ربط هاريس بما يقولون إنها إخفاقاتها السياسية و«كوارثها» كزعيمة لإدارة بايدن-هاريس، ما يشير إلى أن هجوم ترامب على هاريس سيكون سلاحه الرئيسي خلال المناظرة.
كما ادعى جيسون ميلر، كبير مستشاري حملة ترامب، أن هاريس هي من تدير البيت الأبيض -وليس الرئيس جو بايدن- وبالتالي فإن الأحداث الكبرى الأخرى مثل حرب غزة، أو التعامل مع حرائق الغابات في ماوي بهاواي، تقع على عاتقها، قائلاً «كل واحدة من هذه الكوارث وقعت على كامالا هاريس».
أما على الصعيد الاقتصادي، يتحدث ترامب عن فرض تعريفات جمركية تتراوح بين 10 و20 في المئة على معظم الأشياء باستثناء البضائع الصينية التي ستحصل على تعريفة بنسبة 60 في المئة، ومن شأن هذه السياسة فرض ضرائب استيراد أعلى على كل ما يأتي إلى موانئ البلاد من الخارج، وهو أمر قد يؤدي إلى زيادة إيرادات الحكومة، لكنه قد يدفع أيضاً الأميركيين إلى دفع أسعار أعلى للسلع والخدمات.
وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد في بنك غولدمان ساكس إلى أن كل زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في معدل التعريفة الفعلي من الممكن أن تؤدي إلى رفع التضخم الأساسي مقاساً بمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي بمقدار عُشر نقطة مئوية.
بالإضافة إلى ذلك، يقول الاقتصاديون إن الحملة غير المسبوقة ضد الهجرة التي تعهد بها ترامب إذا عاد إلى البيت الأبيض يمكن أن تؤدي أيضاً إلى ارتفاع التضخم، رغم تأكيد ترامب مؤخراً أن الأسعار «ستنخفض بشكل كبير وتنخفض بسرعة» نتيجة لذلك.
في هذه الأثناء، يتهم ترامب المنافسة الديمقراطية بتسببها هي وحزبها في الإضرار بالطبقة المتوسطة، وقال فريق ترامب، أمس الاثنين عن هاريس، «هي بحاجة إلى إقناع الناخبين بكفاءة اقتصاد بايدن رغم أن كل شيء أصبح أكثر تكلفة بشكلٍ ملحوظ مما كان عليه في عهد الرئيس ترامب».
كيف يمكن لهاريس الفوز؟
تحاول نائبة الرئيس تغيير مسار انتخابات عام 2024، بعد أن أدّى الأداء البائس الذي قدمه الرئيس جو بايدن في المناظرة ضد ترامب على شبكة CNN في يونيو حزيران الماضي إلى إنهاء مساعيه لإعادة انتخابه.
وقد أظهرت هاريس اهتماماً أكبر بالتحديات الاقتصادية التي يواجهها الناخبون مقارنة ببايدن، الذي أصبحت تصريحاته الدفاعية حول عدم التوازن في التعافي بعد الجائحة عبئاً، وتعهدت هاريس بالتصدي لما تقول إنه «احتكار تحديد الأسعار» في قطاع التجزئة «البقالة»، وتقول إنها تريد مساعدة مشتري المنازل لأول مرة بما يصل إلى 25 ألف دولار في دفعة أولى من الدعم، وتريد جعل تكلفة الإيجار مقبولة لأغلبية السكان.
ولتحقيق النجاح في المناظرة، تواجه نائبة الرئيس مهام صعبة، أولها إيجاد التوازن بين دحض هجمات وأكاذيب ترامب والتأكيد على رسالتها، إذ قالت هاريس الأسبوع الماضي في مقابلة إذاعية «أعتقد أنه سيكذب، لأنه يقاتل من أجل نفسه، وليس من أجل الشعب الأميركي».
المهمة الثانية هي تحييد التناقض الأساسي في حملتها، فهي تترشح كعامل للتغيير والتجديد على الرغم من كونها جزءاً من إدارة «غير شعبية»، في حين يلقي ترامب باللوم عليها في العديد من المشاكل التي وعدت بإصلاحها، بما في ذلك ارتفاع أسعار البقالة والإسكان.
كما يجب على هاريس محاولة طرح حلول لقضيتين يقول الناخبون إنهما الأكثر أهمية بالنسبة لهم والتي تختلف فيهما عادةً عن ترامب في استطلاعات الرأي، وهما إدارة الاقتصاد والهجرة.
أمر مهم آخر هو أن هاريس تحاول الإعلان عن نفسها كفرصة لتجنب الفوضى والمرارة والاضطرابات السياسية التي اندلعت في ولاية ترامب الأولى والتي تشير تصريحاته الجامحة بشكل متزايد إلى أنها ستشتد في فترة ولايته الثانية.
وفي محاولة لصد الاتهامات، قالت هاريس في مقابلة مع شبكة CNN، أنها ربما عدلت من نهجها، ولكن «قيمها لم تتغير»، فعلى سبيل المثال، تعتقد هاريس الآن أنه من الممكن مكافحة أزمة تغير المناخ دون حظر ممارسة التكسير الهيدروليكي الضارة بالبيئة، وهذا الرأي ربما يحسّن موقفها بشأن قضية قد تضر بشعبيتها.
وفي ظل كل هذه التكهنات والتوقعات، أمر واحد مؤكد هو أنه ستواجه هاريس، التي تسعى إلى أن تصبح أول امرأة سمراء تترأس الولايات المتحدة، منافس سيفعل أي شيء للفوز.
وإذا تمكنت هاريس من تحمل الضغوط ومواجهة هجوم ترامب، فإن المناظرة قد تقدم لها فرصاً كبيرة، ربما أكثر من تلك المتاحة لترامب، الذي أخرج معظم ما في جعبته بالفعل.